القائمة الرئيسية

الصفحات

نماذج تطبيقية في الأحاديث المنكرة الجزء الثاني

 

نماذج تطبيقية في الأحاديث المنكرة الجزء الثاني

نماذج تطبيقية في الأحاديث المنكرة
الجزء الثاني

    ذكرنا في الجزء الأول جملة من الروايات المنسوبة الى النبي محمد ص، وبينّا نكارتها، وبالتالي عدم قبولها ضمن شروط علم الجرح والتعديل، وسنبين هنا مجموعة أخرى من الروايات المنكرة.


    استعرض العلامة السبحاني جملة من روايات الصحابة الأجلاء صحيحها وسقيمها، وقد نوه في مقدمة كتابه أن ثمة نكتة جديرة بالإشارة، وهي انّه ( لا نحمِّل سُقم الروايات على عاتق الصحابي الذي رويت عنه أو التابعي الذي روى عنه، بل نركز على أنّ الرواية سقيمة )([1]).


    فكما قام غير واحد من علمائنا بتمحيص ما روي عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام من الأحاديث، جاءت هذه الدراسة على منوالها، فهي (لا تعني القدحَ بذلك الصحابي، بل تعني وجود الإشكال والعلّة في الرواية سواء أكان منشؤها هو ذلك الصحابي أو الذين رووا عنه وعزوه إليه، والمطلوب هو نقد المضمون والمحتوى دون أن نحمِّل المسؤولية على عاتق أحد إلاّ في موارد شاذّة)([2])، وما يعنينا هو تشخيص الروايات المنكرة محل البحث. 

    

الرواية الأولى :  رواية منسوبة الى الصحابي معاذ بن جبل.

    أخرج الترمذي في كتاب تفسير القرآن عن طريق مالك بن يحامر السكسكيِّ، عن معاذ بن جبل (رض) قال: احتبس عنّا رسول اللّه ص ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس، فخرج سريعاً فتثوّب بالصلاة، فصلّى رسول اللّه وتجوز في صلاته، فلمّا سلّم دعا بصوته، قال لنا: على مصافّكم كما أنتم، ثمّ انفتل إلينا، ثمّ قال:


    (أما إنّي سأُحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، إنّي قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قُدّر لي، فنعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة. فقال: يا محمَّد، قلت: لبيك ربي، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، قالها ثلاثاً. قال: فرأيته وضع كفه بين كتفيّ حتى وجدت برد أنامله بين ثدييّ فتجلّى لي كل شيء وعرفت، فقال: يا محمد قلت: لبيك ربِّ قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات، قال: ما هنَّ، قلت: مشي الأقدام إلى الحسنات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء حين الكريهات..)([3]).


     قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. سألت محمد بن إسماعيل (البخاري) عن هذا الحديث، قال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه الاِمام أحمد في مسنده في حديث معاذ([4]).

      وهي رواية منكرة على ما سوف يأتي، ويشكل عليها من وجوه([5]):

1.   انّ المتبادر من الحديث هو انّ الصحابة كانوا على انتظار بُغية مجيء النبي ص ليصلّوا معه، ومعنى ذلك انّهم تركوا الصلاة عمداً والنبي فاتت عنه الصلاة لغلبة النعاس عليه، وهذا ما لا نحتمله في حق الصحابة فضلاً عن النبي ص.


2.          انّ "التثوّب بالصلاة" المشار إليه في الحديث عبارة عن قول المؤذن في أذان صلاة الصبح "الصلاة خير من النوم" وإنّما يذكر هذ الفصل من الأذان عند إقامة الصلاة أداءً لا قضاءً، والمفروض انّ النبي ص أدّى صلاته قضاءً. مضافاً إلى أنّه لم يثبت وجود التثوب بالأذان في عهد رسول اللّه "صلى الله عليه وآله وسلم" ، وإنّما أضيف إليه بعد رحيله .


3.           انّه سبحانه أجلّ من أن يتجلّى لنبيه في النوم بأحسن صورة، وأن يكون له كف وأنامل لها برد، وأن يضعها بين كتفي النبي ص، تعالى عن ذلك علواً كبيراً. هب انّ النبي ص إنّما ينقل ما رآه في المنام دون أن يحكي عن الواقع، ولكن هل من الصحيح أن يذكر ما رآه دون أن يعقبه بكلمة وهي: انّ ربّه أجّل من أن يوصف بتلك الاَوصاف، لئلاّ يقع السُّذَّج من الناس في ورطة التجسيم والتشبيه؟!


    من الجلي ان الرواية من مجعولات مسلمة أهل الكتاب الذين روّجوا مسألة التشبيه والتجسيم ودسّوها في أحاديث المسلمين، وإن رآها الترمذي حديثاً حسناً صحيحاً، أو صحّحه البخاري حسب ما نقله الترمذي.


    ومن كلام للمحقّق حسن السقاف حول هذا الحديث قوله إنّ متن الحديث يشتمل على ألفاظ منكرة تؤَكد وضعه([6])، قال:

1.   إثبات الصورة للّه تعالى، وكذلك إثبات الكفّ له ـ سبحانه تعالى عن ذلك ـ وإنّها بقدر ما بين كتفي رسول اللّه ص . وقد أجمع أهل السنة على استحالة الصورة على اللّه عزّ وجلّ، كما نقل ذلك الإجماع الشيخ الاِمام عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق. وقال الشافعي: والاِجماع أكبر من الحديث المنفرد، أي إنّ الاِجماع إذا صادمه حديث آحاد أسقط الاحتجاج به، بل يدلّ ذلك على وضعه و انّه لا أصل له كما يقول الحافظ الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه .

2.   إثبات الكف هنا إثبات جارحة للّه تعالى، ويبعد تأويلها بالقدرة، لاَنّ قدرة اللّه عزّ وجلّ شاملة لجسد رسول اللّه ص الشريف، وإثبات أنّه وجد برد كفّ اللّه تعالى عن ذلك، بين ثدييه ص يبعّد التأويل بالقدرة ويؤكد وضع الحديث، لا سيما أنّ الحفّاظ، كالذهبي، قالوا عنه منكَر لأجل هذه الألفاظ وأشباهها.

      وأمّا دراسة الحديث من حيث السند، فهو مثل المضمون، مرفوض جداً، وقد نصّ على ضعف السند أبطال الحديث، فقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات، والحافظ السيوطي في كتابه "اللآلي المصنوعة في الاَحاديث الموضوعة"  وذكر انّ في سنده حماد بن سلمة. فإن قال قائل قد حسّن الترمذي الحديث، بل قد صحّحه في بعض الروايات عنه. قلنا: هذا لا ينفع، لاَنّ الترمذي متساهل في التصحيح والتحسين مضافاً إلى معارضته بتضعيف الحفاظ الذين ذُكرت أسمائهم، فقد صرّحوا بأنّ الحديث منكر وموضوع، فهو مقدَّم على تحسين الترمذي أو تصحيحه([7]).


الرواية الثانية : رواية أخرى للصحابي معاذ بن جبل.

      أخرج ابن ماجة في سننه، عن سعيد بن المسيب، عن أُبي بن كعب، قال:

    قال رسول اللّه ص: (( أوّل من يصافحه الحقُّ عمر، وأوّل من يسلّم عليه، وأوّل من يأخذ بيده فيدخله الجنّة))([8]). نقل السيوطي عن ابن كثير في جامع المسانيد، بأن هذا الحديث منكر جداً، وما هو أبعد من أن يكون موضوعاً .


      الحديث ظاهر انّ اللّه سبحانه أوّل من يصافح عمر بن الخطاب، وهو يلازم كونه سبحانه ذا يد يصافح بها غيره، تعالى عن ذلك علواً كبيراً , وإن كان الحديث كناية عن نزول الرحمة عليه قبل كلّ أحد ففي الاَمّة من هو أفضل منه باتّفاق الفريقين فكيف يقدّم المفضول على الفاضل([9]) ؟!


الرواية الثالثة : أخذ الاجرة على تعليم كتاب اللّه.

      أخرج البخاري في صحيحه، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: أنّ نفراً من أصحاب النبي ص مرّوا بماء فيهم لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق؟ إنّ في الماء رجلاً لديغاً أو سليماً، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاة فبرأ فجاء بالشاة إلى أصحابه فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب اللّه أجراً، حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول اللّه أخذ على كتاب اللّه أجراً، فقال رسول اللّه ص: إنّ أحقّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب اللّه([10])

 

    قال ابن الجوزي: قال ابن عدي : روى عمر بن المحرم البصري، عن ثابت الحفار عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: سألت رسول اللّه ص عن كسب المعلمين فقال: إنّ أحقّ ما أخذ عليه الأجر كتاب اللّه.


    قال ابن عدي: لِعمرو أحاديث مناكير، وثابت لا يُعرف والحديث منكر. قال ابن حجر: وقال الحنفية: لا يجوز أخذ الاجرة في تعليم الكتاب وأجازوه في الرقى كالدواء، قالوا: لأنّ تعليم القرآن عبادة والأجر فيه على اللّه.


    وادّعى بعضهم نسخه بالأحاديث الواردة في الوليد على أخذ الاجرة على تعليم القرآن، وقد رواها أبو داود وغيره. وعلى أيّة حال فأخذ الأجرة على تعليم كتاب اللّه أمر مرغوب عنه، ولو جاز فليس قطعاً من أحقّ ما يؤخذ عليه الأجر، فالرواية ضعيفة جداً أو مكذوبة([11]) .

د. نهضة الشريفي


    للاطلاع على المقالات ذات الصلة يمكنك الذهاب الى:

       مفهوم الحديث المنكر


       أسباب نكارة الحديث المنكر


       أنواع الحديث المنكر

 

       علاقة الحديث المنكر بغيره من مصطلحات الحديث

 

الهوامش

([1]) الحديث النبوي بين الرواية والدراية , جعفر سبحاني : 7

([2]) م . ن : 74

([3]) سنن الترمذي , الترمذي : 5/ 368س

([4]) مسند الامام احمد : 5/ 243

([5])الحديث النبوي بين الرواية والدراية , جعفر سبحاني : 81

([6])الحديث النبوي بين الرواية والدراية , نقلا عن ذيل دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه 285 ـ 286 لحسن السقاف : 81

([7])الحديث النبوي بين الرواية والدراية : 82

([8]) سنن ابن ماجة  : 2/ 39  الرقم 104

([9])الحديث النبوي بين الرواية والدراية : 105

([10])الحديث النبوي بين الرواية والدراية : 480  , نقلا عن صحيح البخاري :7|132، باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم من كتاب الطب .

([11])الحديث النبوي بين الرواية والدراية : 481


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات