القصة في المعاجم اللغوية
قبل الدخول في تتبع
دلالات لفظ القصة في المعاجم اللغوية، يجدر بنا المرور بإطلالة خاطفة
على بدايات نشوء القصة في حياة الإنسان.
الولادة الأولى للقصة:
ابتدأ الإنسان يمد أول خطوة من خطاه على وجه البسيطة إلى طريق الأساطير،
والأسطورة هي القصة الخرافية التي ابتدعها هذا الإنسان البدائي، وصاغها على وفق
هواه، وحسب ما أوحى به خياله من صور ومرئيات.
لقد كان يخرج ليجمع الغذاء من الغابة أو ليطارد الصيد عند منابع الماء،
وذلك قبل عصر الرعي والزراعة، فكان يختزن كل مشاهداته من الطبيعة, والأصوات التي
كان يسمعها خلال رحلاته الخطرة والمثيرة ليقدمها إلى أهله وعشيرته فيؤدي دور
الراوي أو القصاص([1])، مضيفاً على مغامراته ألواناً من
الخيالات والأوهام، (فكان يرى في الصخرة المنحدرة من قمة الجبل ندّاً له، وآدمياً
مثله، والريح الهوجاء روحاً شريرة غير منظورة)([2]).
وتطورت تلك الأسطورة مع هذا الإنسان تبعاً لتطور الحياة، فاستطاع أن يخرج
من نطاق الخرافة والأسطورة بعض الشيء، (ويتلاقى قليلاً مع واقع الحياة الجدية
مسيطراً على تصوراته ومعاناته فظل يعيش مع هواجسه ومخاوفه ويطوف في أعماق نفسه
محاولاً التفّلت من الكبت والقهر والفكاك من الضياع والأسر منطلقاً في طريق الخلاص
وراء أبطاله الذين ابتدعهم وصنعهم وحركهم في الملاحم)([3]) .
هكذا ابتدأت القصة بالأساطير, حيث كانت تروي تخيلات الإنسان عن الآلهة
والعالم، وعن علاقة الفرد بالمجتمع والطبيعة وما وراء الطبيعة من عالم
الميتافيزيقيا والمغيبات([4]). وقد كانت هذه الأخبار التي حملتها
القصص الأولى في حياة الإنسان (هي في كتاب حياته أبجدية معرفته الأولى، وهي
مسجلاته الصوتية والمصورة التي بدأ يجمعها في واعيته وذاكرته ، وفي كلمته وإشارته)([5]) .
لقد كانت القصة وتصوراتها وموحياتها بمثابة الدفعة القوية التي اطلقت جميع
القوى الكامنة في الإنسان، وأسعفتها اللغة التي كانت وسيلته التعبيرية الرئيسة عما
يجيش في صدره من انفعالات ومعاناة وخيالات، وما يكمن في فكره من قدرات وابتكارات.
معنى القصة في اللغة:
جاء في لسان العرب: القص: فعل القاصّ إذا قص القصص . يقال: في رأسه قصة
يعني الجملة من الكلام، ونحوه قوله تعالى: ]نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ
الْقَصَصِ[([6]) أي نبين لك أحسن البيان.
والقاص: الذي يأتي بالقصة على وجهها كأنه يتتبع معانيها وألفاظها، ويقال
قصصت الشيء إذا تتبعت أثره شيئاً بعد شيء، ومنه قوله تعالى]وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ[([7]) أي اتبعي أثره, والقصص: الخبر
المقصوص والقِصص بكسر القاف: جمع القصة التي تكتب, وهي رواية الحديث على شكل قصة
يكون فيها القاص متتبعاً للمعاني وألفاظ القصة على وجه الدقة([8]) .
وجاء في المفردات: القصص الأخبار المتتابعة، قال تعالى]إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ
الْحَقُّ[([9]) والقصاص: تتبع الدم بالقود حيث قوله
تعالى]وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ
أُولِيْ الأَلْبَابِ[([10])، ويقال قص فلان فلاناً وضربه ضرباً
فأقصه أي أدناه من الموت([11]).
وقال الزمخشري: قص الشعر والريش وقصصه، وجناح مقصوص ومقصص، وشجّه قُصاص
وقَصاص وقِصاص شعره وهو منتهى مقدم الرأس، وأخذ بقصته: بناصيته، وهو يقرو مقصه:
يتتبع أثره، وتقاصوا: قاص كل واحد منهم صاحبه في الحساب وغيره([12]).
وفي المعجم الوسيط: قصت الفرس قصاً: استبان حملها وذهب وداقها،
وقص القصة: رواها، ويقال قص عليه الرؤيا: اخبره بها، وقص عليه خبره: أورده على
وجهه والقصاص: أن يوقع على الجاني مثل ما جنا، النفس بالنفس والجرح بالجرح، وأقصّ
فلان من نفسه: مكّن غريمه من الاقتصاص منه، والأقصوصة: القصة القصيرة وجمعها
أقاصيص([13]).
خلاصة أقوال اللغويين:
نلاحظ أن خلاصة أقوال اللغويين تجتمع على ما
مفاده:
ان القصص يدل على تتبع الأثر بنمطيه الحسي والمعنوي، فإن قصّ الشيء بتتبع
أثره شيئاً بعد شيء مصداق واضح على الدلالة الحسية، كما أن تتبع القصة بمعانيها
وألفاظها بسرد القاص لها, مصداق واضح على الدلالة المعنوية.
وقد استعمل القرآن
الكريم كلتا الدلالتين، فالتتبع الذي ورد
في قوله تعالى: ]وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ [ يدل على أمر حسي مادي، أما قوله تعالى ]إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ
الْحَقُّ[ فهو تتبع الأخبار المدروسة التي وقعت في
غابر الأزمان, والتي لا يعلم تفصيل أحداثها إلا علاّم الغيوب.
هذا ما يتعلق بمفهوم القصة لغويا، أما القصة في منظور العلماء والباحثين المتقدمين والمتأخرين فلها بحث مستقل يمكنك الانتقال إليه من هنا
هذا ما يتعلق بمفهوم القصة لغويا، أما القصة في منظور العلماء والباحثين المتقدمين والمتأخرين فلها بحث مستقل يمكنك الانتقال إليه من هنا
الدكتورة
نهضة الشريفي
الهوامش:
تعليقات
إرسال تعليق