القائمة الرئيسية

الصفحات



ديانات العرب في الجاهلية


ديانات العرب في الجاهلية

      إن أهمية تقصي مجمل حياة مجتمع مكة قبيل ظهور الإسلام تكمن في أمرين:
الأول: لكي نلمس حقيقة هذا الواقع الجاهلي, ونفهم السبب الذي استوجب تأكيد القرآن الكريم على إيراد كل ما فيه من العبرة الممهدة للتغيير المنشود.

والآخر: إنها تنقلنا الى بدايات بزوغ فجر الإسلام, وتقربنا الى الأجواء التي تم تحتها تسريب معاني العبرة والاعتبار الى نفوس كثير من عرب مكة, والتي استطاعت أن تُخرجهم من الظلمات الى النور, لكي نشهد عن قرب عملية التغيير الجذري التي اقتلعتهم من مستنقع الجاهلية, ولنعتبر من هذه الصورة النابضة بالحياة, ونتعظ ونلتفت الى أنفسنا وواقعنا ومجتمعنا .

تنوع الديانات:

    كانت العرب في جاهليتها فِرَقاً: 

منهم: الموحّد لله تعالى (المقرّ بخالقه، المصدّق بالبعث والنشور، موقناً بأن اللّه يثيب المطيع، ويعاقب العاصي، ومَنْ دعا إلى اللّه عز وجل ونبّه أقوامه على آياته)([1])

ومنهم: من أقر بالخالق، وكَذَب بالرسل والبعث،(ومال إلى قول أهل الدهر، الذين حكى اللّه تعالى إلحادهم، وخَبَّرَ عن كفرهم، بقوله تعالى] وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [([2]).

ومنهم: من مال إلى اليهودية والنصرانية.

ومنهم: المارُّ على عَنْجَهِيَّتِهِ، الرَّاكب لِهَجْمَته)([3]).

ومنهم: كان صنف من العرب يعبدون الملائكة ، ويزعمون أنها بنات اللّه ؛ لتشفع لهم إلى الله، وهم الذين أخبر اللّه تعالى عنهم بقوله:

]وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ[([4]) وقوله تعالى]أفَرَأْيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى[([5]).  

ومنهم: كانوا يؤمنون بقوى إلهية كثيرة تنبثّ في الكواكب ومظاهر الطبيعة ، وقوى أخرى خفية في بعض النباتات والجمادات والطير والحيوان([6]) .

    وقد وصف أمير المؤمنين علي(ع) في إحدى خطبه حال العرب قبل بعث رسول الرحمة، ببليغ الكلام وهو سيد البلاغة، بقوله: (( ان الله بعث محمدا(ع) نذيرا للعالمين...وأنتم معشر العرب على شر دين وفي شر دار منيخون بين حجارة خشن وحيات صم تشربون الكدر وتأكلون الجشب وتسفكون دماءكم وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة...))([7]) .

    وجاء وصفهم على لسان سيدة النساء فاطمة الزهراء(ع) بما ينبئ عن سوء حالهم وذلهم قبل الإسلام:(( وكنتم على شفا حفرة من النار نهزة الطامع ومذقة الشارب وقبسة العجلان وموطئ الأقدام تشربون الطَرق وتقتادون القِد أذلة خاسئين يتخطفكم الناس من حولكم حتى أنقذكم الله برسوله(ع) بعد اللتيا والتي...))([8]).


       

التنكر للوثنية :   

    من المعتقدات الدينية التي كانت سائدة عند العرب، الوثنية وعبادة الأصنام ، وكانت مكة قلعة لهذه الديانة التي تنم عن الجهل وضحالة الفكر، فقد وجد في الكعبة ما يربو على الثلاثمائة وستين صنما انكبت قريش على الإيمان المطلق بها([9]).

    وعلى الرغم من انهم كانوا يقرون بالخالق، ويثبتون حدوث العالم، ويقرون بالبعث والإِعادة، ولكنهم ينكرون الرسل، ويعكفون على عبادة هذه الأصنام، وهذا الصنف هم الذين حكى اللّه تعالى عنهم قولهم]مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى[([10]) وهذا الصنف أيضا هم الذين قصدوا الأصنام وحجوا لها، ونحروا البُدْنَ، ونسكوا النسائك .

    ولا نصل الى أواخر العصر الجاهلي حتى نلمس استعدادا لفكرة الإله الواحد وبوادر تشير الى ان الوثنية الجاهلية أوشكت على الانحلال ، فقد اتفق المؤرخون على انه قبل مبعث الرسول(ع) ظهرت بوادر التنكر للوثنية بين العرب والإياب الى شريعة إبراهيم(ع) ودين الحنيفية أو التنصر أو التهود، وإن كانت على الصعيد الفردي.

 إلا أن هؤلاء الأفراد يشكلون أمة حين يمثلون النخبة في أقوامهم ولا شك في عظم تأثيرهم على غيرهم, وخطر صدى أفكارهم ومعتقداتهم على أمة العرب الذين( كانت عبادتهم للاصنام ملونة باللون القبلي، فلكل قبيلة بل لكل بيت وثن وطريقة، وكثيرا ما كانت دوافعهم إلى عبادة تلك الأصنام عاطفية، بعيدة عن أساليب التبرير العقلي والمنطقي، فارتباط العربي بهذا الصنم إنما هو لأن هذا الصنم مرتبط بتاريخ أبيه أو جده)([11]) .

ظهور الأحلاف :

    من المظاهر الايجابية في مجتمع مكة قبل الإسلام ظهور أحلاف حملت طابع الإصلاح، وذلك لصيانة الحقوق وضمان مصلحة الغريب والمستضعف، منها(حلف المطيبين، حلف اللعقة، حلف الأحابيش، دار الندوة، وحلف الفضول )([12]) والأخيران أشهرها :

  دار الندوة :

    وهي أشبه ما تكون بالمجلس النيابي في هذا العصر، فبعد تولّي قصي ابن كلاب إمارة البيت الحرام (أنشأ هذه الدار في بيته وجعل بابها مسجد الكعبة، وفيها كانت تجتمع قريش للتداول في الرأي والتشاور في شؤون المدينة والبيت الحرام...وقد ازدادت قوة وعظم شأنها عند العرب وكانت مركزا لفصل الخصومات بين الناس)([13]) .

  حلف الفضول :

    وهو من أهم الأحداث الاجتماعية في مكة ، وكان موضع اعتزاز وفخر لأهل مكة وللعرب جميعا ؛ وذلك لما تضمنه من القيم الكريمة ، وكان الغرض من إنشائه محاربة البغي والعدوان، ووضع حدّ لغطرسة القرشيين واعتداءاتهم المتكررة على الوافدين في موسم الحج لزيارة البيت . 
   
    قال ابن هشام في سيرته:
( تداعت قبائل من قريش إلى حلف، فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ، لشرفه وسنه، فكان حلفهم عنده: بنو هاشم، وبنو المطلب، وأسد ابن عبد العزى ، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرة، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى تردّ عليه مظلمته، فسمّت قريش ذلك الحلف حلف الفضول)([14]) .

    وبقي لحلف الفضول صورة طيبة في الأذهان الى ما بعد ظهور الإسلام بزمن طويل لأنه يلتقي في أهدافه مع أهداف الإسلام ومقاصده، لاسيما وقد تم تأييده والإشادة به على لسان الرسول الأعظم(ع) حيث قال ابن إسحاق: (قال رسول الله(ص): لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت)([15]). 

    ومجمل القول ان حلف الفضول الذي تبناه أبو طالب وغيره من القرشيين واشترك فيه النبي محمد(ع) قبل البعثة (كان يشكل النواة الأولى لأهدافه التي ظهرت في رسالته، وما كانت أحاديثه عنه بعد رسالته إلا ليوقظ الضمائر ويحرك المشاعر الى التكتل في وجه الظلم، والتعاون على الخير في كل عصر وزمان )([16]).


الدكتورة نهضة الشريفي

الهوامش: 


([1]) مروج الذهب ، المسعودي : 1/219
([2]) سورة الجاثية : 24
([3]) مقدمة ابن خلدون : 59
([4]) سورة النحل : 57
([5]) سورة النجم : 19ـ 22
([6]) ظ  تاريخ الأدب العربي , د. شوقي ضيف : 89
([7]) شرح نهج البلاغة ، الخطبة السادسة والعشرون : 1/ 138
([8]) فاطمة من المهد الى اللحد , محمد كاظم القزويني : 195
([9]) ظ  حياة محمد (ص) ، باقر شريف القرشي : 33
([10]) سورة الزمر : 3
([11]) الصحيح من السيرة , جعفر مرتضى العاملي : 2/ 164
(3) حياة محمد (ص) : 1/ 32
([13]) حياة محمد : 1/ 32
([14]) السيرة النبوية ، ابن هشام الحميري : 87
([15]) م . ن : 88
([16]) سيرة المصطفى , هاشم معروف الحسني : 53

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات