الحبكة وانواعها في الرواية
عند التطرّق الى موضوع الحبكة وانواعها في الرواية،
لابد لنا من بيان أن الرواية عموما هي أكبر الأنواع القصصية من حيث الحجم ( ظهرت إلى
الوجود جنساً أدبياً متميزاً في القرن الثامن عشر، وارتبط ظهورها بنشأة الطبقة الوسطى
في أوروبا التي اتخذت منها أداة للتعبير عن مُثلها وتطلعاتها)([1]).
وقد
اتفق أغلب النقاد على تقسيم خماسي لعناصر الرواية كالآتي: (الحبكة ، الشخصيات ، البيئة
، الفكرة ، والأسلوب)([2]) ، وسوف نتبيّن هنا
أول عنصر من عناصر الرواية وهو " الحبكة " .
أولا: تعريف مصطلح الحبكة
اصطلح على الحبكة أيضاً مسمّى (العقدة)، وهي
سلسلة الحوادث التي تجري في القصة متصلة ومرتبطة برابط السببية فيما بينها ولا تنفصل
عن الشخصيات أبداً، فإن القاص يعرض علينا شخصياته دائماً وهي متفاعلة مع الحوادث، متأثرة
بها، ولا يفصلها عنها بوجه من الوجوه([3]) .
ويمكن تعريفها أيضاً بأنها (طريقة المعالجة الفنية التي يجريها الكاتب على المادة الأولية للقصة)([4]) .
إن مصطلح(الحبكة) يدل على( تخطيط أو حبك شيء
على نحو مقصود ومخطط، وهو ما يفعله الروائي الذي يحبك خيوط العمل الروائي ليوصل القارئ
إلى نتيجة ما)([5]).
ثانيا: مكونات الحبكة
تتكون الحبكة من خمسة أجزاء مرتبة ومتتالية لا
يسبق أحدها الآخر([6])
أ-
العرض:
أي بداية الرواية حيث يقدم الروائي المعلومات الضرورية عن الشخصيات والبيئة التي تجري
فيها الأحداث.
ب-
الحدث
الصاعد: حيث تظهر فيه أسباب الخلاف أو الأزمة فتبدأ العقدة بالصعود والتطور ببطء.
ت-
الذروة:
وتعني النقطة التي تتأزم فيها الأحداث، فتصل العقدة إلى أقصى درجات التكثيف والتوتر.
ث-
الحدث
النازل: الذي يعقب الذروة حيث يخف التوتر رويداً رويداً ويشعر القارئ بانتهاء الذروة
تمهيداً للحل.
ج-
الحل
أو الخاتمة: وهو القسم الأخير من العقدة وفيه تأتي النتيجة التي ستنتهي إليها أزمة
الرواية.
من الواضح أن كل جزء له أهميته في تحقيق نجاح
القصة إلا أن الذروة لها خصوصية وأهمية كبيرة، فهي القمة التي تبلغها أحداث القصة في
تعقيدها، ويكون الانفعال فيها على أوجه، وهي النقطة الفاصلة في القصة تتدرج الحوادث
قبلها صُعداً حتى تصل إلى ذلك التوتر، ثم تبدأ بعده بالتصفية والتكشف إلى أن تبلغ النتيجة
المختارة، ويمكن أن نُمثل العمل القصصي هنا بأنه أشبه بالإعصار الذي يتجمع في ذروته
ثم يثور بقوة وعنف ثم يؤول إلى ذبول وانحلال([7]) .
ثالثا: أشكال الحبكة
تقسم أشكال الحبكة بلحاظ تركيبها على:
- الحبكة المفككة.
- الحبكة المتماسكة .
الحبكة المفككة:
تبنى الحبكة المفككة على سلسلة من الحوادث والمواقف
المنفصلة التي لا تكاد ترتبط برباط ما، ولا تعتمد وحدة العمل القصصي فيها على تسلل
الحوادث ، بل يكون اعتمادها:
- على البيئة التي تجري فيها القصة.
- أو على الشخصية الأولى فيها.
- أو النتيجة العامة التي ستنجلي عنها الأحداث
في النهاية.
- أو الفكرة الشاملة التي تنتظم الحوادث والشخصيات
معاً([8]).
الحبكة المتماسكة:
وهي الحبكة العضوية المتماسكة فتكون على النقيض
من الأولى، فهي تقوم على حوادث مترابطة يأخذ بعضها برقاب بعض، وتمضي في نسق واحد وخط
مستقيم حتى تبلغ مستقرها، ولابد أن يتوافر في هذا النوع من الحبكة أمران:
- أن تتحرك بطريقة طبيعية خالية من الصدفة
والافتعال.
- أن تكون مركبة بطريقة مقبولة مقنعة لا نشعر
فيها بآلية العمل القصصي([9]).
وهنالك تقسيم آخر للحبكة بلحاظ موضوعها:
- الحبكة البسيطة التي تكون فيها القصة مبنية
على حكاية واحدة .
- الحبكة المركبة التي تكون فيها القصة مركبة
من حكايتين أو أكثر([10]).
رابعا: عناصر الحبكة
ثمة عنصرين مهمّين في الحبكة القصصية، هما:
-
التوقيت
إن توقيت وتطور العمل القصصي يعتمد في المقام
الأول على (الغاية التي يستهدفها الكاتب، إذ إن عنصر التوقيت لا يأتي عفو الخاطر وإنما
يعتمد كل الاعتماد على فهم الكاتب للحياة وطريقته في التعبير عن كل هذا الفهم)([11])
.
وتختلف القصص من حيث سرعة تكشف الحوادث، فقد
كانت قديماً – في القرن الثامن عشر – تتوالي حوادثها ببطء وحذر, وتحسر قناعها للقارئ
بتؤدة وخفر، لكن مؤلفوا عصرنا الحالي – عصر السرعة – تماشوا مع روحه وساروا في ركبه
فألفوا قصصهم وطوروها بسرعة توافق سرعة العصر([12]).
ثم تمادوا في سرعتهم وأسرفوا في افتراض (فواصل
متنوعة بين القصة في بنائها التقليدي، وبين القصة في أبنيتها الحداثوية، وفي مقدمتها
تمزيق الحبكة)([13]) ، وبذلك فقد اختل توازن القصة وانقلبت موازينها تماشيا مع تيار
الحداثة, ، على أن بعض الكتّاب احتفظوا بتوازن قصصهم ولم يطعنوا بصميم مكونات العمل
القصصي.
-
الإيقاع
الإيقاع
هو عنصر مهم من عناصر التصميم القصصي، يبدو (على هيئة أمواج تتحرك بنظام خاص لتؤدي
إلى تأثير معين يشعر معه القارئ بأن القصة تسير وفق قانون مرسوم هو الذي يكسبها هذا
الشكل الخاص الذي تجلت فيه)([14]) ، فالذي يتأمل بناء القصة يلاحظ أن هذا التنويع والتفاوت
ليس عملاً اعتباطياً عفوياً.
إن
هذا التغيير التموجي في القصة المسمى بالإيقاع يبدو أحياناً خافتاً غامضاً وأحياناً
أخرى متحفزاً متسارعاً، وله القدرة على الجمع بين صفات مختلفة في آن واحد، فيكون حراً
أو منضبطاً ، متعسراً أو منساباً، هادراً متوثباً أو خافتاً متعثراً في آن معاً([15]).
ومن عناصر الرواية الأخرى " الشخصيات"،
وهم الأشخاص الذين تدور عليهم أحداث الرواية، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحبكة ولا تنفصل
عنها، وقد تعرضنا لها ببحث مستقل تحت عنوان الشخصية الروائية وأنواعها .
تعليقات
إرسال تعليق