القائمة الرئيسية

الصفحات



مصطلح التيولوجيا

مصطلح التيولوجيا

    شاع استعمال مصطلح "التيولوجيا" في مؤلفات المعاصرين في وصف الحالة الإيمانية للإنسان المتدين , أعم من كونه مسلما ام مسيحيا ام يدين بديانات أخرى .

أولا: أصل لفظ "التيولوجيا" واستعمالاتها

    أصل اللفظ هو "ثيولوجيا" ويعني اللاهوت بمعنى من المعاني, وهو (حالة أو وضعية عقلية على نحو يوناني متميز، ولها صلة أحيانا بالأهمية الكبرى التي يوليها المفكرون اليونانيون للعقل "لوغوس"؛ لأن كلمة ثيولوجيا تعني أسلوب مقاربة الإله أو الآلهة "ثيو" عن طريق العقل " لوغوس")([1]) .

    واستعملت كلمة ثيولوجيا في اللغات الاوربية المعاصرة, ثم (انتقلت ايضا بلفظها الى لغتنا العربية المعاصرة وصارت واسعة الانتشار بمعناها الاصلي ذاته, فهي اصلا كلمة يونانية تتكون من مقطعين: "ثيو- Theos" اي إله, و"لوغوس - Logos" اي المعرفة والعلم والدراسة)([2]) .

    وقيل في وجه الفرق بين اللاهوت وعلم اللاهوت أن الأول يعني (الالهيات او العلم الإلهي او ذات الله وصفاته او الثيولوجيا)([3]), أما الآخر، أي اللاهوت بوصفه علم فهو (علمٌ يبحث عن الله وصفاته وشرائعه وأعمال عنايته والتعاليم التي يجب أن نعتقدها والأعمال التي يجب أم نقوم بها)([4]).

ثانيا: أقسام علم اللاهوت

    ينقسم علم اللاهوت على قسمين:

·       الطبيعي:

    وهو العلم الذي يستمد من الضمير والعقل وشهادة الطبيعة وبه نستطيع الحصول على معرفة الله ومحبته وعبادته, بيد انه ليس كافيا لإيضاح كل الحقائق الدينية.

·       الوحييّ أو الفائق الطبيعة:

    وهو كلام الوحي الذي ورد في الكتب المقدس إذ يعلمنا ما لا يقوى أن يعلمنا إياه الطبيعي من الحقائق والأسرار([5]) .

     فكما نبحث في العلوم الطبيعية عن حقائق الطبيعة وقوانينها كذلك نبحث في علم اللاهوت عن حقائق الكتاب المقدس وتعاليمه, وكما ان غاية علوم الطبيعة جمع حقائق العالم الخارجي وتقصي قوانينه وتنظيمها, كذلك هي غاية علم اللاهوت تنظيم حقائق الكتاب المقدس وتقصي أصوله وتعاليمه([6]) .

ثالثا: نشأة التيولوجيا

     إن جذور التيولوجيا أو الثيولوجيا قديمة ومتأصلة في الثقافة اليونانية، (ومع ان الكلمة "ثيولوجيا" صارت اليوم مرتبطة على نحو وثيق بالدين المسيحي الا ان الكلمة اقدم زمنا من المسيحية بكثير وقد استخدمها كثير من فلاسفة اليونان القدامى, فنراها في محاورة "الجمهورية" لأفلاطون عند كلامه عن شعراء اليونان)([7]) .

   ونراها أيضا في "الميتافيزيقيا" لأرسطو, إذ وجد في ثيولوجيا اللاهوت انه (الفرع الأساسي من علم الفلسفة الذي يسميه أيضا "الفلسفة الأولى" أو "علم المبادئ الأولى" وهو الفرع الذي اكتسب لاحقا اسم "ما وراء الطبيعة" "الميتافيزيقيا" أو "علم المبادئ الأولى" عند تلاميذه)([8]) .

    الا ان استعمالها في المسيحية ظهر على يد الفيلسوف المسيحي المؤسس "اوريجين", فقد (كان اول من استعمل كلمة ثيولوجيا في المسيحية للإشارة الى "الإلهيات" التي انصبت عنده على ما سوف يعرف لاحقا بلاهوت اللوجوس او لاهوت الكلمة, والكلمة "اللوجوس" صارت عند المسيحيين هي المسيح ذاته)([9]).



     
    وشاع استعمال التيولوجيا في التراث المسيحي, (ثم توسعوا في الأمر فصار اللاهوت "الثيولوجيا" عندهم يشير الى كل ما له علاقة بالعقيدة المسيحية والإيمان المسيحي والطبيعة, فهذه كلها: لاهوت، فاتسع اللفظ بمعناه حتى فقده تماما)([10]) .

    قد تبين إذن ان التيولوجيا أو الثيولوجيا تمثل الحالة الإيمانية والروحية للإنسان المتدين, مسلما كان أم مسيحيا أم يهوديا, فالوجه المشترك هو التسليم بوجود الله تعالى .

    ولنا ان نتأمل القاعدة الباسكالية في الرهان على وجود الله تعالى والإيمان به , بنظرية رياضية احتمالية , فـ(لنقدر الربح والخسارة, ولنسلم بوجود الله, ولننظر في هاتين الحالتين: فإن ربحنا, كان ربحا كاملا, وإن خسرنا, ما نخسر شيئا؛ فلنراهن إذن على وجود الله دون تردد)([11]).

    وهذه الاحتمالية ونظائرها وإن كانت لا تقدم إيمانا برهانيا قطعيا إلا انها تفيد (في كسر صولة عناد المعاندين الذين رغم افتقادهم البرهان يصرون على ما ليس لهم به الا الظن والتخمين)([12]).

رابعا: دعوة الى تيولوجيا جديدة      

    اليوم يجلجل الصوت المعاصر داعيا الى ضرورة خلق شروط إمكانية وجود تيولوجيا جديدة لقراءة القرآن والسنة, بسلوك الطرق والمناهج الحديثة للمعرفة في علوم الإنسان والمجتمع, والدعوة الى ضرورة تحرر الفكر الإسلامي من دائرة التراث التكراري والإكراهي, لتمهيد الأرضية الى تصور جديد للموقف الثيولوجي اللاهوتي([13]).

    وباعث الدعوة الى لاهوت آخر في رأيهم يكمن في التركيز على محاولة تعديل مسار الاتجاه الإيماني التقليدي الذي يرفع من شأن النص القرآني ولا يساويه بالنص البشري!!!

   وكأن المفترض بنا ان نجعل النص البشري الناقص صنوا وندا للنص القرآني الكامل بكمال مصدره, وإلا... نوصم بالانغلاق والدوغمائية!!!!!

   يقول هاشم صالح - مترجم كتب أركون والتوأم الروحي له - (سوف يمر وقت طويل قبل ان نتحرر من المسلّمات اللاهوتية الراسخة منذ مئات السنين, وعندئذ نستطيع أن نرى القرآن بعيون جديدة... ونستطيع تشكيل لاهوت جديد يحل محل اللاهوت القديم الذي أصبح يشلّ كل شيء ويحول بين المسلمين وبين التصالح مع الحداثة والعصر)([14]).

    يتضح من هذا ان القراءة التيولوجية أو الإيمانية - من وجهة نظرهم - عاجزة عن خدمة القرآن والفكر الإسلامي, لذا لابد من النهوض بالفكر الديني من قبل باحثين مستقلين ايديولوجا ودينيا, عوضا عن سدنته وخدامه المتحمسين أو المجادلين الذين يهدفون الى غايات أخرى([15])، وهذا هو الوهم المحض والافتراء على الفكر الديني والإيماني المبني على أصول علمية وأسس منطقية.  

   في نهاية المطاف, نستطيع القول إنه أصبح النظر واضحا الى الخط الإيماني العريض الذي يسلكه أصحاب الاتجاه الإيماني لدى دراستهم للظاهرة القرآنية, إذ تبيّن ان الرؤى بأجمعها, على الرغم من تباينها التفريعي, تلتقي في مسلّمات عقدية, وتنطلق من منطلق البُعد التقديسي والتبجيلي للقرآن الكريم, وتقرّ بمصدريته الغيبية.

   وعلى هذا الأصل بنى الإيمانيون مناهجهم التي نعتها الحداثويون بنعوت شتى , 
منها الدوغمائية , أو منطق السياج الدوغمائي المغلق .


    والسياج الدوغمائي المغلق مصطلح ابتكره أركون ويقصد به (مجمل العقائد الدينية

 والتصورات والمسلمات والموضوعات التي تتيح لنظام من العقائد/ واللاعقائد أن يشتغل

 بمنأى عن كل تدخل نقدي سواء من الداخل أو من الخارج, فالمؤمنون المنغلقون داخل

 السياج الدوغمائي يتبعون استراتيجية الرفض)(16).

    هذا ما يتعلق بمصطلح التيولوجيا، ولنا وقفات مع مصطلحات أخرى سلطنا الضوء عليها، من نحو: مصطلح الأنثروبولوجيا ، ومصطلح الدوغمائية ، ومصطلح الهرمنيوطيقا ، ومصطلح الفيلولوجيا ، وغيرها من المصطلحات المعاصرة. 

الدكتورة نهضة الشريفي  

الهوامش:


([1])  تراثنا الروحي من بدايات التاريخ الى الأديان المعاصرة , سهيل بشروئي ومرداد مسعودي , ترجمة: محمد غنيم , دار الساقي – بيروت , ط1 – 2011م : 75
([2])  اللاهوت العربي واصول العنف الديني , يوسف زيدان , ط2 - دار الشروق : 38
([3])  م . ن : 38
([4])  علم اللاهوت النظامي , جيمس آنِس , مراجعة: منيس عبد النور , الكنيسة الإنجيلية بقصر للدوبارة – القاهرة – مصر : 16
([5])  ظ علم اللاهوت , ميخائيل مينا , ط4 – 1948م – مصر : 1/ 18
([6])  ظ علم اللاهوت النظامي , جيمس أنس : 19
([7])  اللاهوت العربي واصول العنف الديني : 38
([8])  تراثنا الروحي من بدايات التاريخ الى الأديان المعاصرة : 76
([9])  اللاهوت العربي واصول العنف الديني : 39
([10])  م . ن : 39
([11]) معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية , جلال الدين سعيد: 72
([12]) نظرية المعرفة في القرآن , جوادي آملي : 229
([13]) ظ الفكر الإسلامي قراءة علمية , محمد أركون : 31
([14]) الفكر الأصولي واستحالة التأصيل , محمد أركون : 64  الهامش
([15]) ظ الظاهرة القرآنية عند محمد أركون , تحليل ونقد , أحمد بوعود , منشورات الزمن – 2010م , الدار البيضاء : 125
(16) الفكر الأصولي واستحالة التأصيل, محمد أركون : 66
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات