القائمة الرئيسية

الصفحات



مقومات القصة القصيرة



مقومات القصة القصيرة

     القصة القصيرة من الصياغات القصصية الشائعة، ومن ألوان الأدب الحديث، ظهرت في أوربا في أواخر القرن التاسع عشر بتأثير النزعة الواقعية التي باتت تعنى بالأمور والمواقف الصغيرة والعادية من الحياة([1]).

      ثم بدأت تباشيرها في الأدب العربي في مطلع القرن العشرين بتأثير الترجمة والنقل وانتشار الصحافة والتعليم.

أوجه الاختلاف بين القصة القصيرة والرواية:

      لكي نعرض مقومات القصة القصيرة ومكوناتها ينبغي أن نقف عند جميع عناصرها وتفاصيلها, ونشبعها شرحا وتحليلا ، وهذا يلزم التكرار والتطويل؛ لذا سيتبنى منهج البحث هنا لغة المقارنة في أغلب فقراته لبيان أوجه الافتراق والاقتراب بين القصة القصيرة والرواية فحسب، وبذا يتحقق المراد وهو الإيجاز ما أمكن :

أولا:  

    تتناول القصة القصيرة حلقة عرضية من الحياة الإنسانية والطبائع البشرية، وما تتعرض له من الحوادث, لكنها غير قابلة للتشعب والاستطراد بل تدور حول حادثة خاصة ومحور واحد من حياة شخص أو أشخاص. 

ثانيا:

    تتفاوت القصص القصيرة بقيمتها وأهمية موضوعاتها وأسلوب علاجها، وقدرة الكاتب على إقناع القارئ وإثارته. 

ثالثا:

    ترتبط القصة القصيرة بالرواية في بعض الأبعاد والعناصر مع استقلالها بخصوصيتها التي تميزها عن باقي الأشكال القصصية.  

رابعا:

    تحمل القصة القصيرة أربعة عناصر: (الحدث، الشخصية، المعنى، الأسلوب)([2])، وهذا أحد أوجه الاقتراب بينها وبين الرواية . 

خامسا:

    من خصائص الحدث في القصة القصيرة (الوحدة) إذ تتكون من حدث واحد لا أكثر يدور خلال زمن قصير يستغرق بضع ساعات أو أيام وفي مكان محدود، وعليه يترك أثراً وانطباعاً واحداً عند القارئ ، على نقيض الرواية التي تصور عدة حوادث مرتبطة مع بعضها بوحدة الموضوع([3]) . 

سادسا:

    ويظهر في القصة القصيرة مقطع عرضي لحياة الشخصية ، في حين أن حياة البطل في الرواية تكون طولية قد تمتد من طفولته وحتى الكهولة أو الشيخوخة([4]). 

سابعا:

    وإن الحدث في الأولى يقع لأشخاص معيّنين ومحدودين تصوّر القصة دوافعهم لإلقاء الضوء على علاقتهم بالحدث على العكس من الرواية حيث تكون الشخصيات فيها متعددة ومتنوعة([5]).

ثامنا:
    وفي كل قصة قصيرة معنى أو فكرة يظهرها الحدث وتجسدها الشخصيات، وتكتمل هذه الفكرة باكتمال القصة, ولا يمكن تصوّرها أو إدراكها قبل نهاية القصة كما في فكرة الرواية([6]) ، وهذه من أهم نقاط الالتقاء بين الفنين  . 



تاسعا:

    أما وظيفة الأسلوب الرئيسة في القصة القصيرة فهي (تصوير الحدث وتطويره حتى يصل إلى الذروة، لهذا لا تأتي الأوصاف والحوار والسرد إلا لتحقيق هذه الغاية)([7]) 

عاشرا:

   هذا، فضلاً عن الحجم المحدود للقصة القصيرة، وبساطة المواقف وفرديتها، والصياغة الجمالية للعبارة ورشاقتها بالقياس إلى الحجم الكبير للرواية ومواقفها المعقدة، وتفصيلاتها المتشعبة واحتوائها على عبارات مألوفة، فلا تعنى كثيراً بالأساليب الجمالية كما في القصة القصيرة([8])، حيث إن الأخيرة مضطرة إلى ضغط العبارات والاقتصار على ما يوجهها نحو الهدف الرئيس. 

حادي عشر:

    وهناك فرق جوهري يتعلق بإيقاع القصة، فقد ذكرنا في بحث الرواية أن حبكتها تمتاز بتنوع إيقاعها وتموّجه وتحركه بنظام خاص، أما القصة القصيرة فلا يتعدد إيقاعها، وإنما تبنى على موجة وحدة الإيقاع، في حين أن الرواية تعتمد على سلسلة من الموجات المتغيرة تتوالى في مدّها وجزرها، لكنها تنتظم في وحدة كبيرة كاملة([9]). 

ثاني عشر:

    نتيجة لهذه الخصوصيات في القصة القصيرة فإن المؤلف يعتمد في أسلوبه على التركيز والتكثيف والإيحاء، يدفعه إلى ذلك ضيق المكان والزمان، فلا مجال هنا للتفاصيل والأوصاف الطويلة، لذا نراه يختزل حيناً ويحذف, ويقتصر على ما يفيد في إظهار المعنى المراد، فكل كلمة لابد أن تؤدي غرضها، ونراه يأتي بالجمل قصيرة ومضغوطة تحمل شحنات من الإيحاء تعبر عن دلالات معينة([10]) .

مآل القصة الحديثة والعبرة منها:

بعد بيان معالم العناصر الأساس, المقومة للقصة بنوعيها الطويل والقصير ، يليق بالمقام التنويه ولو ببضع كلمات عن أمرين : الأول يتعلق  بمآل القصة اليوم, والآخر يتحدث عن الفائدة التي نجنيها من قصص اليوم, والعبرة التي يمكن أن نأخذها منها .

الأمر الأول:

لقد أصبحت القصة الحديثة تتطلب من القارئ جهداً كبيراً للكشف عن هدف المؤلف من وراء الأحداث والشخصيات التي ساقها ، فإن كتّاب العصر الحالي صاروا يشركون قراء اليوم في خلق قصصهم الفني ، ويأبون أن يقدموا له طعاماً ممضوغاً ، فيتركونه أمام الموقف موزع الفكر في اتجاهات مختلفة ، ومتاهات نفسية واجتماعية مروعة ليهتدي إليها بنفسه!! ([11])

تُرى ما حكم القارئ ــــــ في هذا العصر المتخم بالتوتر والصراعات ــــــ بإزاء هكذا قصص مفتوحة النهاية تفتقر إلى فكر القارئ ليسدّ ثغورها كل حسب مزاجه وثقافته؟!

في الواقع، إنني باعتباري ضمن شريحة القرّاء لا أسيغ مثل هذا النوع من العرض القصصي ــــــ مع احترامي وإجلالي لأفكار وأمزجة الكتّاب والقرّاء ــــــ لأن ذلك يقلقني ويشعرني بالضبابية .

الأمر الآخر:

هل تحمل القصة البشرية فائدة وعبرة كما هو الحال في القصة القرآنية؟
نعم, يمكننا الاعتبار بهذه القصص والإفادة منها وإن كانت من نسج الخيال, شرط أن تحمل قيما ومُثلا تسمو بالنفس الإنسانية, وترقى بها الى مستوى الفضائل الخلقية التي تقربها الى الله تعالى, أو تحذّر من حبائل الشيطان ومكائده, ومن العواقب الوخيمة التي تصيب البشر إن انجرفوا وراء أهوائهم وملذاتهم.

أما القصص التجارية المبتذلة فلا قيمة إيجابية لها, ولا عبرة فيها, بل هي بمثابة إعصار مدمر يتسافل بالإنسان الى أدنى مستوى من الوجود, ويجره الى عبادة غرائزه الحيوانية, ويعمل على تهيئة جيل ساقط منحطّ يقوم على تقويض حضارته بنفسه .

بيد ان القصة الواقعية الصادقة غير الملفقة, التي تحترم العقل وتنزله منزلته اللائقة, ولا تتعامل مع الخيال السلبي الذي يبعدنا عن واقعنا, تؤثر في الوجدان أيما تأثير؛ لأنها تخلق فينا حالة من الخوف والرهبة من أن يجري علينا ما جرى على هذه الأمم؛ ولأننا نستطيع تحسس بُعدها المكاني والزماني, وتلمّس أطلالها, واستشعار الوجود الإنساني الذي ضمته هذه الأرض منذ ردح من الزمان, فنعتبر بها ونتعظ بأحداثها.

وهذا الصدق وهذه الواقعية هي من العوامل المهمة التي أدّت الى تفوّق القصة القرآنية على جميع أصناف القصص التي يصنعها الإنسان, فضلا عن أسلوبها الإلهي البديع وبلاغتها المعجزة المؤثرة في النفوس.


الدكتورة نهضة الشريفي


الهوامش:



([1]) في النقد الأدبي الحديث : 140
([2]) في النقد الأدبي الحديث: 142
([3]) ظ م . ن: 142
([4]) ظ الإسلام والأدب : 244
([5]) ظ في النقد الأدبي الحديث : 142
([6]) ظ في النقد الأدبي الحديث : 143
([7]) م . ن : 143
([8]) ظ الإسلام والأدب : 245
([9]) ظ فن القصة : 73
([10]) ظ في النقد الأدبي الحديث : 143
([11]) ظ النقد الأدبي الحديث : 517

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات