القائمة الرئيسية

الصفحات



مصطلح الدوغمائية



مصطلح الدوغمائية

تعريف مصطلح الدوغمائية:

    كثيرا ما يرد مصطلح الدوغمائية على ألسنة المفكرين وفي الموسوعات والمعاجم الفلسفية، فقد ورد في موسوعة "الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة" أن الدوغمائية مصطلح نصراني كاثولكي مشتق من كلمة "دوغما" ومعناه: المبدأ ذو الصحة المطلقة، وهذا المصطلح مرتبط بالإلهام الذي تزعمه الكنيسة لنفسها، والادّعاء بأن بابا الفاتيكان معصوم، وذلك بموجب دوغما صدرت سنة(1870م)، وأصبحت الدوغمائية أو الدوغماتية وصفاً يطلق على الثورات والحركات الشمولية مثل الفاشية والشيوعية([1]).

    إن مصطلح الدوغمائية أو الدوجماطيقية(Dogmatism) مصطلح معاصر يبثّ دلالة سلبية ظلامية, وصار شائعا استعماله في وصف الروح المنغلقة في مقابل الروح المنفتحة على فكرة تعدد الحلول لإشكال ما, لذا جاء في تعريف هذا المصطلح في موسوعة لالاند الفلسفية بأنه (حيلة فكرية مخاتلة قائمة على تأكيد المرء لمعتقداته بأمر وسلطان, ودون القبول بأنها قد تحتمل شيئا من النقص أو الخطأ)([2]) .

    وقد نعت المفكر الأمريكي ميلتون روكيش العقلية الدوغمائية بأنها قائمة بشكل أساس على ثنائية ضدية حادة, لأنها ترتبط بشدة وصرامة بجملة من المبادئ العقائدية, وتتنكر بنفس الشدة والصرامة لمجموعة أخرى من العقائد فهي بنظرها لاغية لا معنى لها, ومؤهلة للدخول في دائرة الممنوع التفكير فيه, فتتراكم بمرور الأزمان والأجيال على صورة لامفكر فيه([3]) .   

الدوغمائية الوثوقية:

    الدوغمائية الوثوقية هي مذهب من يثق بالعقل وبقدرته المطلقة على إدراك الحقيقة والوصول الى اليقين، وتأتي في مقابل مذهب الريبية، ويمكن صياغتها بعبارة أخرى هي: صفة من يثق بعقله وبنظرياته، ويعترف لها بسلطان عظيم، من دون التفكير في إمكان اشتمالها على الخطأ والضلال([4]) .

    والدوغمائية من وجهة نظر الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (ت: 1804م)، هي: الميل الى التسليم بالمبادئ التي يعتمدها العقل منذ القدم، من دون البحث في طبيعة هذه المبادئ وشرعيتها وقيمتها، أي من دون القيام بنقد مبادئ العقل المحض([5]).

   وهي بهذا المعنى تأتي في مقابل النقدية الكانطية. لذا نجد المؤرخ الفرنسي إرنست رينان (ت: 1892م) يحدد انتمائه للدوغمائية النقدية بالقول: إننا نرمي عرض الحائط بكل من النزعة الشكية الساذجة والنزعة الدوغمائية المدرسية؛ فنحن إذن دوغمائيون نقديون([6]).
    بناءً على ذلك، فالفكر الوثوقي الدوغمائي الذي يسبح في البدهيات واليقين لا يكون، كما يقال عادة، عنيفاً بما يتولد عنه من مبادئ، وما يستتبعه من نتائج، وإنما بما هو يكون في حالة انشداد لما يعتقده طبيعياً وبدَهياً ومُسَلَّماً به، فكأنّ العنف هنا عنف بنيوي. وقد سبق للفيلسوف الفرنسي رولان بارط (ت: 1980م) أن بيَّن أنّ البداهة عنف، وأنّ العنف الحقّ هو أن تقول: طبيعي أن نعتقد هذا الاعتقاد، هذا أمر بدهي([7]).

مصطلح الدوغمائية عند محمد أركون:

    يعدّ المفكر الجزائري الدكتور محمد أركون المتوفى سنة (2010م) من متبنّي مصطلح الدوغمائية ومتعاطيه، وغالى في استعماله بشدة لوصف الإيمان والمؤمنين ذوو العقيدة المتشددة، إلى جانب جملة من المصطلحات الغريبة الأخرى.


    ومن نماذج المصطلحات التي أطلقها أركون: مصطلح الأرثوذكسية والزندقة, والأدلجة, والأسطرة, واللامفكر فيه والمستحيل التفكير فيه, والأشكلة, والأركيولوجيا, والتيولوجيا([8]) , وما اشبه ذلك ؛ ولذلك صُوّبت نحو متعاطي هذه المصطلحات وأشباهها تهمة التستر وراءها لتغطية التشوش الذهني الذي يعانيه , نجد هذا المعنى واضحا في كلام عبد المجيد الشرفي, الذي يرى أنه لابد من (توطين المفاهيم الحديثة وعدم الوقوع في العلموية الزائفة التي يكون العلم فيها مرادفا للتعمية, ويكون استعمال المصطلحات الرنانة تغطية على عدم وضوح التفكير)([9]) .

   إن طبيعة أركون ومنهجيته التي يتبناها تحبذ الحرية الفوضوية التي لا ضابط لها في قراءة كتاب الله تعالى, فيدافع عن طريقة جديدة مبتكرة من عندياته , (طريقة محررة في آن معا من الأطر الدوغمائية الأرثوذكسية ومن الاختصاصات العلمية الحديثة التي لا تقل إكراها وقسرا, ان القراءة التي أحلم بها هي قراءة حرة الى درجة التشرد والتسكع في كل الاتجاهات, إنها قراءة تجد فيها كل ذات بشرية نفسها, سواء أكانت مسلمة أم غير مسلمة)([10]) .
    من الواضح أنه يرفض نتاج التراث لأنه يراه دوغمائيا ضيقا مظلما, وفي الوقت نفسه يرفض النتاج العلمي الحديث, ويريد خلق (قراءة تترك فيها الذات الحرية لنفسها ولديناميكيتها الخاصة في الربط بين الأفكار والتصورات انطلاقا من نصوص مختارة بحرية من كتاب طالما عاب عليه الباحثون فوضاه, ولكنها الفوضى التي تحبذ الحرية المتشردة في كل الاتجاهات)([11]) .

    ولا يخفى ان نظام ترتيب المصحف مختلف عن ترتيب النزول الفعلي للوحي, ومن هنا فقد اتهم النص القرآني بالفوضوية, بادعاء ان هذا الترتيب لا يخضع لأي معيار عقلاني, وذلك ما صرح به علنا في قوله: (إن نظام ترتيب الآيات والسور في المصحف لا يخضع لأي ترتيب زمني حقيقي, ولا لأي معيار عقلاني أو منطقي, وبالنسبة لعقولنا الحديثة المعتادة على منهجية معينة في التأليف والإنشاء والعرض القائم على المحاجة المنطقية فإن نص المصحف وطريقة ترتيبه تدهشنا بفوضاه)([12]) , ثم يستدرك بأن الذي سيحل الإشكال هو إخضاع النص القرآني للتحليل السيميائي فـ(هذه الفوضى تخبئ وراءها نظاما دلاليا وسيميائيا عميقا)([13]) . 

   إن سعي أركون الى قراءة جديدة للقرآن الكريم تنأى – بتعبيره - عن الأطر الدوغمائية الأرثوذكسية، وتنحسر عن أطر العلوم الإسلامية الحديثة، جعلته يصبّ كل اهتمامه على محاولة تعديل مسار الاتجاه الإيماني التقليدي, هذا الإيمان الأصيل الذي يرفع من شأن النص القرآني ولا يساويه بالنص البشري !!!

    ما الذي يضيره من إيمان المؤمنين؟ وما الذي يصحّحه فيهم؟

    وكأن المفترض بنا ان نحذو حذوه ونفعل فعله, وإلا نوصم بالانغلاق والدوغمائية, وذلك بعيد بُعد المشرقين.

الدكتورة نهضة الشريفي
                                                                                             الهوامش:



([1]) موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة , علي بن نايف الشحود: 40/ 364
([2]) موسوعة لالاند الفلسفية , أندريه لالاند : 1/ 297
([3]) ظ الفكر الإسلامي قراءة علمية , أركون : 5
([4]) معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية ، جلال الدين سعيد : 191
([5]) م . ن : 192
([6]) م . ن : 192
([7]) موقع: مؤمنون بلا حدود https://www.mominoun.com/
([8]) ظ قضايا في نقد العقل الديني كيف نفهم الإسلام اليوم , محمد اركون , ترجمة وتعليق: هاشم صالح , دار الطليعة – بيروت , ط5 – 2018م : 185
([9]) الاسلام بين الرسالة والتاريخ , عبد المجيد الشرفي , دار الطليعة – بيروت – لبنان , ط2 – 2008م : 10
([10]) الفكر الأصولي واستحالة التأصيل : 76
([11]) م . ن : 76
([12]) الفكر الإسلامي نقد واجتهاد : 96
([13]) م . ن : 96

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات