القائمة الرئيسية

الصفحات


انثروبولوجيا الإسلام


انثروبولوجيا الإسلام

    قبل الدخول في بحث انثروبولوجياالإسلام لابد لنا من تسليط الضوء على مفهوم الانثروبولوجيا .

تعريف مفهوم الانثروبولوجيا:

   الانثروبولوجيا علم دراسة الإنسان طبيعيا واجتماعيا وحضاريا, وهذا التعريف  يشير ضمنا إلى خاصية مميزة للأنثروبولوجيا, وهي النظرة الشمولية في دراسة الإنسان, ويحددها في ثلاثة تخصصات رئيسة متمثلة في: الأنثروبولوجيا الطبيعية, والأنثروبولوجيا الاجتماعية, والأنثروبولوجيا الثقافية([1]) .

    وعلى الرغم من أن علماء الأنثروبولوجيا لا يسمّون أنفسهم مستشرقين بعامل قوة اشتغالهم في حقل الأنثروبولوجيا أكثر من اشتغالهم في لغات الشرق وآدابه وتاريخه, إلا انهم مع ذلك يدخلون ضمن تعريف إدوارد سعيد الوارد بشأن المستشرق, فكل من يعمل بالتدريس أو الكتابة أو إجراء البحوث في موضوعات خاصة بالشرق يسمّيه مستشرقا([2]) .

نشأة الأنثروبولوجيا:

    في أواسط القرن التاسع عشر بدأ الاستعمار الأوروبي يسيطر على عموم الشرق, بدافع جني الثروات وخيرات البلدان, وإبان ذلك ظهرت الأنثروبولوجيا, بدافع مغاير يهتمّ بدراسة المجتمعات البدائية القديمة وتحليلها تاريخيا وأريكولوجيا, وكذلك دراسة المجتمعات البدائية الحديثة التي تسكن الشرق وافريقيا والأمريكيتين واستراليا, فشكّل كلّ من الأنثروبولوجيا والدراسات الاستشراقية مصادر جيدة للاستعمار([3]) .

   ثم أصبحت الأنثروبولوجيا عموما علم ( يبحث في أصول الشعوب المختلفة وخصائصها وتوزّعها وعلاقاتها بعضها ببعض, ويدرس ثقافاتها دراسة تحليلية مقارنة, ترصد الأنثروبولوجيا انتظام وتغير العقائد والأعراف والتقاليد في مجتمع تسوده موجهات دينية أو اجتماعية أو عرقية)([4]) .

    إذن يتضح أن العلاقة بين الأنثروبولوجيا والاستشراق متعاونة ووثيقة, لأنهما يشكّلان رافدين رئيسين للسلطة الاستعمارية, ويشتركان في موضوع واحد هو الشرق, على ان الاستشراق تاريخيا أسبق من الأنثروبولوجيا .

    وشكّل الاستشراق والأنثروبولوجيا والاستعمار(مركب ذهني غربي ترجم ذلك التناقض الكبير الذي يشعر به الإنسان الأوروبي تجاه الآخر, وهو تناقض أفرزه المحتوى الفكري والقيمي للإنسان الأوروبي, الذي وجد أنه يتضارب ويتناقض مع المحتوى الفكري والقيمي للإنسان الشرقي, والإسلامي منه بالتحديد)([5]) .

الأنثروبولوجيا والإسلام:

   كانت دراسات كثير من أبحاث الأنثروبولوجيا عن الإسلام ناظرة للمجتمع كركيزة أساس يتم عبره تقييم الدين والعبادة والعقيدة, فجاءت (دراسة الدين كمؤسسة اجتماعية, والعبادة كنشاط اجتماعي, والعقيدة كقوة اجتماعية)([6]) .

    ولقد أفرزت انثروبولوجيا الاستشراق لدى دراستها مجتمع صدر الإسلام نوع مقاربة بين الإصلاح الديني والإسلام, واتخذت من التاريخ مَطية لتصوير المسألة الإسلامية كحدث تاريخي صرف, وانها تمثّل (حركة مصلح اجتماعي سعى الى تغيير الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي لأبناء قومه أملا في ترسيخ العدل الاجتماعي والقضاء على التفاوت الطبقي...أو هي حركة مصلح ديني ثائر على الوثنية وتقاليدها الزائفة وطقوسها الخرافية)([7]) .

    فكان أسلوب إضفاء العبقرية والبطولة لشخص النبي الأكرم(ص) بمثابة المقدمة لاستفراغ الظاهرة القرآنية والإسلام من البعد السماوي, وتقديمه في صورة نتاج واقعي طبيعي لحركة التغيير الاجتماعي, ليغرسها في البعد التاريخي الخالص .

    وتحكُم أنثروبولوجيا العالم الألماني ماكس فيبر([8]) على الدين الإسلامي في مكة بأنه دين متوافق مع المتطلبات الدنيوية, فعلى الرغم من ظهور الإسلام (كدين توحيدي تحت إشراف النبي(ص) إلا أن الإسلام لم يتطور الى دين تزهدي, لأن حملته الأساسيين كانوا طبقة محاربين, بل ان محتوى الرسالة الدينية قد تحول الى مجموعة من القيم التي تتفق مع الحاجات الدنيوية لطبقة المحاربين)([9]), ويدّعي ان عنصر الخلاص في الإسلام (قد تحول الى طلب علماني للأرض, وبالتالي تحوّل الإسلام الى دين توافق وتكيّف أكثر منه دين تحول)([10]) .

    إن الدين الإسلامي لم يكن يوما ينادي بالتزهد على الطريقة الكنسية, فهو يواشج دوما بين الدين والدنيا, ويحث على الكسب والعمل والكدّ, وليس من تساميه وتكامله التغذي على أيقونة التزهد والرهبنة, أما المحاربين فهم النخبة المؤمنة التي أخلصت لروح الإسلام وانغمست بنور الإيمان, وحين يجد الجدّ تتوحد وتتماسك وتقف مع رسول الله(ص) بصلابة وقوة, تذود عن قائدها وعن الإسلام, ولا معنى لوصفهم أنهم أصحاب الأنا والدنيا, بل انهم هم أنفسهم الذين وصفهم القرآن ]وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ[([11]) .

    ونتيجة لتوغل فيبر في دراسة المجتمع المكي توصّل الى (أن رسالة مكة التوحيدية قد تغيرت بالتصوف الذي خُلق لتلبية الاحتياجات العاطفية والروحية للجماهير, وكانت النتيجة أنه بينما قادت طبقة المحاربين الإسلام في اتجاه الأخلاق العسكرية, قادت المتصوفة الإسلام وبالذات الإسلام الشعبي في اتجاه دين الهروب الصوفي)([12]).

    هكذا هي نظرة الأنثروبيين حيال الإسلام والمسلمين, إما أخلاق عسكرية أو نزعات صوفية, وهو وصف يليق بالمسيحيين أكثر, لما نجد في مجتمعهم من الإفراط والتفريط إما الى الانغماس في الحياة بعيدا عن الدين, أو الانقطاع عن الدنيا والرهبنة, ولا حل وسط, ولا أمر بين أمرين . 

    يقول المفكر محمد صالحي إن المجتمعات الإسلامية لم تكن مشكّلة تشكيلا متجانسا (الى الحد الذي نجد فيها أسلوبا دينيا شائعا بصورة متماثلة وشاملة, فحقائقها وتغيراتها أيضا أكثر تعقيدا مما نتصور, وبصورة أعمق فإن الأفراد لا يغيرون, بصورة آلية, من النمط الديني, بل يقومون بتبني استراتيجيات متكيفة ومتلائمة حسب حاجياتهم في لحظة محددة من لحظات إنتاج المعنى, ومن أجل فهم, حسب تصورهم, التغيرات التي تحدث في المجتمع)([13]) .

تأسيس أنثروبولوجيا إسلامية:

    يقفز السؤال التلقائي الطبيعي الى الأذهان: هل يمكن الاعتراف بأنثروبولوجيا إسلامية بهذه الطروحات الاستشراقية ؟

    يقضي المفكر طلال أسد بأنه (لا يمكن تأسيس أنثروبولوجيا إسلام منسجمة إذا قامت على فكرة المخطط الاجتماعي النهائي, أو على فكرة الشمولية الاجتماعية المتكاملة التي تتفاعل ضمنها البنية الاجتماعية المتكاملة, والأيديولوجيا الدينية)([14]) .

    لكن ذلك لا يعدم إمكان وجود موضوع منسجم لأنثروبولوجيا الإسلام, على ان لا يضع الأنثروبولوجي كل ما يعتقده المسلم أو ما يفعله, في بودقة الإسلام الصحيح, ويبني طروحاته على ذلك, وإنما يستمد دراسته للإسلام من مفهوم التراث المتنوع الذي يضم القرآن الكريم والسنة الصحيحة, لأن الإسلام ليس مجرد بنية اجتماعية, ولا هو مجموعة معتقدات وفنون وعادات وأخلاق([15]) .

الدكتورة نهضة الشريفي

الهوامش 



([1]) قصة الانثروبولوجيا – فصول في تاريخ علم الإنسان , حسين فهيم : 17
([2]) ظ الأنثروبولوجيا الاسلاميّة مقاربة في الاستشراق الجديد , عامر عبد زيد الوائلي , دراسات استشراقية - العدد : 13 السنة الخامسة - 2018م / 1439هـ : 67
([3]) ظ الاستشراق قراءة نقدية , صلاح الجابري : 34
([4]) الأنثروبولوجيا الإسلامية , عامر عبد زيد الوائلي , مجلة دراسات استشراقية , العدد الثالث عشر – 2018م : 74
([5]) الاستشراق قراءة نقدية , صلاح الجابري : 86
([6]) الدرس الانثروبولوجي للمجتمعات الاسلامية- تيرنر, غيرتز, غيلنر – طلحة فدعق , مجلة الاجتهاد , العدد 50 , السنة الثالثة عشرة – 1422ه – 2001م  :283
([7]) الاستشراق قراءة نقدية , صلاح الجابري : 103
([8]) ماكسيميليان كارل إميل فيبر(1864–1920)عالم ألماني في الاقتصاد والسياسة، وأحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث ودراسة الإدارة العامة في مؤسسات الدولة، وعمله الأكثر شهرة هو كتاب الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية, درس جميع الأديان وكان يرى أن الأخلاق البروستنتانتية أخلاق مثالية ومنها استقى النمودج المثالي للبيروقراطية والذي يتميز بالعقلانية والرشادة . https://ar.wikipedia.org ويكيبيديا الموسوعة الحرة
([9]) الدرس الانثروبولوجي للمجتمعات الاسلامية : 280
([10]) الدرس الانثروبولوجي للمجتمعات الاسلامية : 280
([11]) سورة الحشر : 9
([12]) الدرس الانثروبولوجي للمجتمعات الاسلامية : 280
([13]) الدين بوصفه شبكة دلالية– مقاربة كليفورد غيرتز , محمد ابراهيم صالحي , دفاتر مجلة إنسانيات العدد الرابع , رئيس التحرير: فؤاد صوفي , وهران – الجزائر : 77
([14]) فكرة انثروبولوجيا الإسلام , طلال أسد ,  ترجمة: سامر رشواني , مجلة الاجتهاد العدد 50 السنة الثالثة عشرة – 1422ه – 2001م : 162
([15]) م . ن : 162

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

التنقل السريع في المحتويات