القائمة الرئيسية

الصفحات



مصطلح الظاهرة القرآنية في الميزان

مصطلح " الظاهرة القرآنية" في الميزان

    وُصِفت الظاهرة القرآنية بأنها (ظاهرة متعالية لا يمكن حصرها في تفسير واحد لأنها مفتوحة على كافة الدلالات المعنوية, كما أنها مفتوحة على الكائن المطلق, الله , فالقرآن يتضمن خطابا دينيا عابقا بالمجاز)([1]), وهو وصف يشير الى الزخم المتراكم من ميتافيزيقيا الظاهرة القرآنية, وكل الغيبيات القرآنية التي لا تخضع للبعد المادي والحسّي يطلقون عليها مجازات عالية ودلالات معنوية؛ لأنها تتجاوز المقاييس البشرية .

دلالات مصطلح الظاهرة القرآنية :

    إن لفظ "الظاهرة" حين اقترانه بوصف "القرآنية" يشكل مصطلحا يمكن ان نفهم منه بأنه يشير بدلالته الى هذا القرآن المقدس منذ لحظة انكشافه وظهوره بقوة إلهية الى الواقع البشري , وتجلّيه من اللوح المحفوظ في العالم العلوي السماوي الى الوجود الدنيوي المادي المحسوس, بكل ما يضم من موضوعات, روحية كانت أم مادية, وما ينسج من أساليب وما يحمل من إعجاز في جميع الأبعاد , وما يحيطه من الهالة القدسية النورانية .

    وقد تناوله بهذا المعنى كثير من الباحثين والمفكرين* , مع تفاوتهم في التعاطي معه بين من التزم بالتبجيل والتقديس له , ومن جرده عنه , ومن وسع في نطاقه , وسيتضح ذلك في المطلب الآتي .

    ويمكن القول أن مصطلح الظاهرة القرآنية – بما هو مصطلح- لا يتقاطع كليا مع الفكر الإسلامي والمزاج العربي , ونستطيع التواصل معه بارتياح لوضوحه , وإن كان ثمة إشكالية فإنما تقع على عاتق مفهوم (المصطلح الجديد) , وكل جديد يحتاج الى مقطع زماني للألفة معه وسبك الأفكار حول مقصوده وسكب الدلالات بإزائه .

    إن معنى " مصطلح " عموما (ليس مجرد كلمة مسكوكة بل هو وعاء لفكرة مضغوطة لا تلبث ان تحتل مكانا في وعي متلقيها)([2]) .

    وربما يسوغ لنا ان نزن مصطلح "الظاهرة القرآنية" بميزان الزمان لندرك انه ليس جديدا كل الجدة بعد قطعه شوطا زمنيا امتد عمره الى أكثر من خمسة عقود , ولا معنى لأن ننكر وجوده وفاعليته أو نحجّم من تداوله لمجرد ان شريحة من المعاصرين سلكت خطا مغايرا في التعامل معه .

المؤلفات والأبحاث التي تناولت مصطلح الظاهرة القرآنية :

    عند استقرائنا لجملة من الدراسات والأبحاث والمؤلفات التي تناولت مصطلح "الظاهرة القرآنية" من مفكرين معاصرين, ألفينا أن هذه الأطروحات تلتقي في خطوطها العامة بظاهرة الوحي والنبوة , وعرض لمفهوم الوحي مع اختلاف في التوجه والمنهج يلازمه اختلاف في الاستنتاجات القيمية من هذه المواقف النظرية .

    وتناول بعضهم موضوعات قرآنية أخر , كجمع القرآن, وأسباب النزول, والناسخ والمنسوخ, وغيرها من مفردات علوم القرآن الأخر , وتنزع مختلف هذه المقاربات في الغالب إلى التفسير النفسي - الاجتماعي للظاهرة القرآنية, والتفسير العقلي البرهاني.
    ومن جملة هؤلاء المؤلفين :

  - مالك بن نبي :              

    المفكر الإسلامي الجزائري الدكتور مالك بن نبي (ت:1973م) في كتابه (الظاهرة القرآنية) , ويعدّ الواضع الأول لهذا المصطلح , لم يسبقه – على ما يبدو - أحد في إطلاقه له على القرآن الكريم, وقد تعامل معه باعتقاد وإيمان راسخ بمصدريته الإلهية , وأضفى عليه التبجيل والتقديس عند شرحه وتحليله لموضوعاته وآياته الشريفة.



   - محمد باقر الصدر :

  المفكر والفيلسوف الإسلامي العراقي السيد محمد باقر الصدرقدس سره  (ت:1980م) في كتاب (المدرسة القرآنية)، إذ اعتمد هذا المصطلح، وتناوله في معالجاته لشبهات المستشرقين .
          

  - محمد عابد الجابري :

  المفكر المغربي الدكتور محمد عابد الجابري ( ت:3/5/2010 ) الذي تناول هذا المصطلح في مقدمة كتابه (مدخل الى القرآن الكريم)، ونظّر له، وبيّن ماهيّة الظاهرة القرآنية وأبعادها، وأجرى مقارنة بين المصطلح الحديث (الظاهرة القرآنية) ومصطلح (دلائل النبوة ) الدارج ضمن أبحاث علم الكلام قديما .

  - محمد أركون :

   المفكر الجزائري الدكتور محمد أركون (ت:14/9/2010) الذي عقد فصلا تناول فيه مصطلح الظاهرة القرآنية في كتاب (الفكر الأصولي واستحالة التأصيل) وتناوله ايضا في كتابه (قضايا في نقد العقل الديني, كيف نفهم الإسلام اليوم ؟ ) وكتاب (الفكر الإسلامي قراءة علمية) , واهتم كثيرا في جلّ مؤلفاته بعقد مقارنة تفصيلية بين الظاهرة القرآنية والظاهرة الإسلامية .

 - محمد كريم الكواز:

  الباحث العراقي الاستاذ الدكتور محمد كريم الكواز, المولود عام (1951م) وله كتاب بعنوان (كلام الله , الجانب الشفاهي من الظاهرة القرآنية) .

 علاء الدين المدرس:

  الباحث العراقي الدكتور علاء الدين المدرس, المولود عام (1954م) في كتاب        ( الظاهرة القرآنية والعقل , دراسة مقارنة للكتب المقدسة) .

 - أحمد بوعود :

   الباحث المغربي الدكتور أحمد بوعود في كتاب (الظاهرة القرآنية عند محمد أركون) .

 - حيدر حب الله :

  المفكر اللبناني الدكتور حيدر حب الله, المولود عام (1973م) في كتاب (الوحي والظاهرة القرآنية) .

 - انعقاد ندوة باسم الظاهرة القرآنية :

  الندوة التي أقامتها مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية , بعنوان: (من تفسير القرآن الى القراءات الحديثة للظاهرة القرآنية) , أقيمت هذه الندوة في يومي العاشر والحادي عشر من كانون الأول عام 2004م .

    وهناك الكثير ممن تناول هذا المصطلح وتداوله بإيجاز أو إطناب حتى ألفه السمع واعتادت عليه نواظر قرّائه , وتبادر المعنى منسابا باقتران لفظ (القرآن) بلفظ (الظاهرة) , إذ تتوالد منه دلالة بيّنة تلقائية تشير الى بديهة واضحة مفادها ان هذه التركيبة ترسم صورة ذهنية لما يشكل محور استقطاب ونظر وتأمل، ويشكل توجها جمعيا ازاءه، وينطبق ذلك في أغلب أحواله على الوحي الإلهي حين يتمثل للنبي محمد(ص) ويوصل إليه كلام الله الموحى .

الدكتورة نهضة الشريفي  


الهوامش :



 ([1]) التراث والمنهج بين أركون والجابري , نايلة أبي نادر , الشبكة العربية للأبحاث والنشر, ط1 , بيروت , 2008م : 567
* سنشير إلى المؤلفات في المطلب الآتي
([2]) من فلسفة الحب إلى فلسفة الوجود ، عبد الوهاب المسيري، مجلة العربي ،العدد601 ديسمبر2008م : 66

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات