القائمة الرئيسية

الصفحات



كيف نظر نصر حامد أبو زيد للقرآن؟

  كيف نظر نصر حامد أبو زيد للقرآن؟

     كيف نظر الباحث والمفكر المصري الدكتور نصر حامد أبو زيد الى آيات الله تعالى؟ نصر حامد أبو زيد من المفكرين المعاصرين المختصين بالدراسات الإسلامية، له فهم خاص ونظرة حداثوية للقرآن الكريم، سوف نسلط الضوء على جانب منها .  

النظر للقرآن من بعده اللغوي: 

    ممن نظر الى القرآن الكريم بوصفه ظاهرة لغوية الدكتور نصر حامد أبو زيد , يتضح ذلك من كلام له كان يؤيد فيه فرضية أمين الخولي بأن القرآن كتاب العربية الأكبر وأثرها الفني الخالد الأقدس.

    كان الخولي لا يتقبّل التفسير الذي ينأى عن البعد الأدبي، وهذا المعنى واضح في قوله: ( فرفضنا صنيع القدماء في فهم النص القرآني لغاية بعينها, وراء كونه نصّا أدبيا, مهما يكن الرأي في تقديره, فإنه أجلّ ما عرفت العربية من نصوصها الأدبية, وهو - بلا مراء- كتابها الأكبر, وأثرها الخالد)([1]).

    لذا نرى أبا زيد يحلل هذه الفرضية مسبغا عليها تسويغات وتعليلات بأنه (ليس معنى أن القرآن أثر فني عربي انه ليس كتابا دينيا مقدسا منزلا من عند الله على نبيه محمد , بل المعنى أنه نص يمارس تأثيره وفاعليته على المسلم وعلى غير المسلم كذلك من خلال خصائصه الأدبية والفنية المميزة له)([2]), ويحاول اثبات محورية اللغة في دراسته للظاهرة القرآنية بقوله (قد يقال ان النص القرآني نص خاص, وخصوصيته نابعة من قداسته وألوهية مصدره, لكنه رغم ذلك يظل نصا لغويا ينتمي لثقافة خاصة)([3]) .

أمانة نصر حامد أبي زيد في اقتباس فرضية الخولي:

    لم يكن نصر حامد أبو زيد أمينا في نقله مباني الشيخ أمين الخولي, فركز على الجانب الأدبي واللغوي, وغض الطرف عن الجانب النفسي الذي أصر الخولي على وصله بفرضيته لتتنامى الفكرة وتتكامل الصورة, فلنتأمل حقيقة فرضية الخولي عبر كلامه إذ يقول :

   ( وما يعنينا هنا من أمر هذا المنهج إلا ردّ التفسير الى الدراسة الأدبية, والأخذ فيه بمناهجها, فكان ذلك إيذانا بالوصل القوي لهذا التفسير بالدرس النفسي, بل كان سبيل الأخذ بالتفسير النفسي ما دام هذا القرآن ليس إلا أثرا أدبيا, وطرفة من الفن القولي, وهو الفن الذي عرفنا من صلته بعلم النفس, وحاجته الى علم النفس الأدبي)([4]).

    لذا جاءت الفرضية على لسان أبي زيد مبتورة غير مكتملة الأبعاد, لتعزيز مدّعاه, وليعزو جلّ الأمور الى البعد اللغوي والأدبي, ومنها ادعاؤه أن الإعجاز القرآني يكمن في استعماله الأدبي المتميز فحسب, فيقول: (من الضروري هنا التنبيه الى أن قضية الإعجاز تمحورت في الأساس على مفهوم التفوق الأدبي للقرآن على كل أنماط الكلام البشري شعرا كان أم نثرا)([5]), متغافلا عن حقيقة كون اللغة معبرا لبلوغ المرام, لا غائية ذاتية لها, ولا مناص من التوسل بها للوصول الى الغاية .

    وغير خافٍ وجود تاريخ حضاري مشترك (بين اللغة العربية والقرآن الكريم مما شكل مظهرا اجتماعيا متلازما, فالحفاظ على اللغة يعني الحفاظ على القرآن, وصيانة لغة القرآن يقتضي صيانة لغة العرب؛ لارتباط وجودها التاريخي بوجوده التشريعي, واستمرار رقيها يلمح من استمراره)([6]), لكن ذلك لا يعني النظر من منظار واحد, وقصْر الأمر على اللغة فحسب.



هل القرآن مجازي ونسبي؟  

    وإذا حاول ابو زيد الاحتفاظ بقدسية القرآن مع وصفه بأنه كتاب عربي مبين أو كتاب العربية الأكبر, فإن غيره اجتهد بتحليل هذا الوصف ليخلص الى أنه - أي القرآن - مجازي ونسبي, و( له صلة بما هو تاريخي ومحايث ونسبي, وأنه حمّال أوجه, إذ هو يحتمل الالتباس والتعارض بقدر ما هو منسوج من الاستعارات والمجازات)([7]).

    ومسألة الالتباس والتعارض هذه استنتاج قاسٍ وعارٍ عن الصحة لا ينم الا عن ذهنية ملتبسة وبعيدة عما استقر عليه كثير من المجتهدين في هذا المجال من كون القرآن الكريم لا لبس فيه* .

القرآن الكريم والشعر العربي:

    إن أبا زيد هنا يقصر تأثير القرآن على البشر ببعده البلاغي ولغته العالية وبيانه المتميز, ويدّعي حاجة القرآن الكريم الى الشعر إذ يقول: (احتاج القرآن الى الشعر)([8]) , وينأى عن أبعاد القرآن الأخرى التي لا يخفى تأثيرها على الألباب , كإعجازه بكشفه عن الماضي الغابر والمستقبل المجهول , وإشاراته العلمية وكشوفه الكونية الآفاقية والأنفسية وغيرها , والقرآن أسراره لا تنفد وعجائبه لا تفنى , فهل يسوغ الاكتفاء ببعد واحد فحسب ؟

    وفي الواقع لم يكن القرآن بحاجة يوما الى الشعر, وهل يحتاج كلام الله تعالى الى منتج بشري ؟ !! لكن الإنسان هو المحتاج اليه في فهم القرآن, فهي حاجة إنسانية بحتة, والإنسان يتوسل بآليات عصره شعرا كان أم غيره, لتثوير بطون القرآن واستخراج كنوزه الكامنة .

    ومن جانب آخر يتغافل أبو زيد عن طبيعة العلاقة بين اللغة العربية بما تحوي من فصاحة وبلاغة وقوة زمن ما قبل الإسلام وصدر الإسلام , وبين مزاج العربي المسلم اليوم وحتى غير العربي, إذ ابتعد عن سحر اللغة ولم يعد يتذوقها بالطريقة نفسها, واكتفى بهوامشها ونبذ المتون , وأصبح يميل الى التحليل ويعتمد البرهان ويتعامل مع المحسوس ولا يرهق نفسه بالتنقيب عن الاستعارة والكناية والبديع.

    ويبقى أبو زيد مدافعا عن فرضية الخولي بقوله: (ليس معنى القول بأنه عربي - اي القرآن - انه لا يخاطب غير العرب في مراميه وأهدافه, كما أن هذا الوصف لا يعني انحسار دلالته في المدى القصير لزمن نزوله أو بعده بقليل)([9]) ، نعم, لأن القرآن فيه معان ومرام أممية إنسانية اجتماعية عميقة الهدف , وإنما جاء بلغة القوم  لكونها الطريق الى فهمه والوصول الى دلالاته .


الدكتورة نهضة الشريفي


الهوامش :



([1]) مناهج تجديد في النحو والبلاغة والادب , أمين الخولي , الاعمال الفكرية – الهيئة المصرية العامة للكتاب - 2003م :253 
([2])  التجديد والتحريم والتأويل بين المعرفة العلمية والخوف من التكفير, نصر حامد أبو زيد, المركز الثقافي العربي, الدار البيضاء – المغرب , ط1 – 2010م : 178
([3]) مفهوم النص في علوم القرآن , نصر حامد أبو زيد , الهيئة المصرية للكتاب – 1990م : 21
([4]) مناهج تجديد في النحو والبلاغة والادب , أمين الخولي : 253
([5]) التجديد والتحريم والتأويل: 121
([6]) نظرات معاصرة في القرآن الكريم , الدكتور محمد حسين علي الصغير , دار المؤرخ العربي , بيروت / لبنان : 69 , وينظر: المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم , محمد حسين علي الصغير, دار المؤرخ العربي , بيروت / لبنان , ط1 , 1420هـ - 2000م : 52
([7]) هكذا أقرأ ما بعد التفكيك , علي حرب , المؤسسة العربية للدراسات والنشر, ط1 – 2005م – بيروت : 98
* يصعب حصر المصادر التي تناولت هذا المعنى , ولنا ان نشير الى التفاسير قديمها وحديثها وهي تنزه  كلام الله تعالى من اللبس , وتحل التعارض , وتتصدى للرد على الإشكالات ونفي الشبهات , نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : التبيان للطوسي, مجمع البيان للطبرسي, الميزان للطباطبائي, الأمثل للشيرازي, من وحي القرآن لفضل الله , المنار لرشيد رضا, تسنيم لجوادي آملي .
([8]) التجديد والتحريم والتأويل , نصر حامد أبو زيد : 120
([9]) التجديد والتحريم والتأويل: 178

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات