القائمة الرئيسية

الصفحات



نشأة الهرمنيوطيقا

نشأة الهرمنيوطيقا

    لغرض مواكبة العلوم الحديثة والتعرف على أصولها ومناشئها، أصبح من المهم  اليوم أن نتعرّف على كيفية نشأة الهرمنيوطيقا.
   فبعد ظهور الحركات الاصلاحية في الغرب, والدور الذي مارسته في توجيه الأذهان الى الدراسات الهرمنيوطيقية, وتأثيرها الكبير, انبثقت مشكلة أمام المرجعية الرسمية للكنيسة في فهم الكتاب المقدس, مما اضطر علماء البروتستانت إزاء ذلك الى اصدار كراسات حول الضوابط التي تمكّن من فهم الكتاب المقدس , وهذا الأمر مهد الأرضية للتأليف في هرمنيوطيقا الكتاب المقدس([1]) .

أول ظهور لمفهوم الهرمينوطيقا:  

    ظهرت كلمة "هيرمينوطيقا" لأول مرة في المانيا سنة 1654 في عنوان احدى كتب دانهاور([2]), هو "الهرمنيوطيقا المقدسة" أو "منهج تأويل النصوص المقدسة" , ومنذ ذلك الحين تميز التأويل اللاهوتي الفيلولوجي عن التأويل القانوني([3]) .

   ويعود أول استعمال لمصطلح الهرمنيوطيقا المدون في قاموس اكسفورد (الى عام 1737م وتجدر الإشارة الى ان استخدام هذا المصطلح في الإنكليزية كان غالبا في النصوص غير المقدسة أي النصوص المبهمة أو الرمزية التي تحتاج في فهم مضمونها الى مناهج خاصة)([4]) , فهي في أصلها وكممارسة إنسانية وفعل للفهم لم تكن وليدة الفلسفة والعقل الغربي فحسب بقدر ما تضرب بأصولها في عمق الثقافات السابقة عليها بزمن طويل نسبيا([5]) .

تطور مصطلح الهرمينوطيقا: 

    الهرمينوطيقا، أو فن التاويل، ليست بالشيء الجديد، ويمكن ان نقرن نشأتها بنشأة التفكير الإنساني، ومن ثم حصل تطور كبير لهذا المصطلح بتطور مراحل التفكير الإنساني، ومع كل مرحلة تأخذ الهيرمينوطيقا تعريفا يتناسب وخصائص ذلك التفكير. 

    وكان أرسطو هو أول من أسس معالم التجربة التأويلية داخل مذهب القانون عبر مناقشته لإشكالية القانون الطبيعي ومفهوم الـ epikeia في كتاب "الأخلاق إلى نقيوماخوس"([6]) , وقد كان قديما يعني (التغلب على مسافة زمنية أو لغوية ما من المعنى ، ومع المحدثين, وخاصَةً دلتاي, اكتسب هذا المصطلح أهمية كبيرة تتعلق بوضع قواعد كلية لفهم النصوص ، بالتحكيم بين التأويلات وبإعلاء التفسير إلى مستوى العلم)([7]) .

    وبعد دلتاي بدأ التأويل يأخذُ معنى أكثر اتساعاً من مجرد وضع قواعد عامّة لفهم النصوص وذلك نتيجة للأفكار التي انبثقت من فكر هايدجر ، فأصبح التأويل ضمن هذا التحوّل الهيدجري (فلسفة التأويل التي تتجاوز المنظور الميتودولوجي* لتصعد إلى شروط إمكانه ، والتي تتناول الطابع اللغوي للتجربة البشرية من جهة ما هو محايث لها وللوجود في العالم من جهة أخرى)([8]) .

الهرمنيوطيقا الخاصة والهرمنيوطيقا العامة:

    من هذا الكلام يتبين المسار التطوري للهيرمينوطيقا عبر مرحلتين هما : الهرمنيوطيقا الخاصة, والهرمنيوطيقا العامة, ولم تعرف المرحلة الأولى بهذا الاصطلاح مع ظهور الديانة المسيحية , وإنما اطلق بعد وضع المصطلحات الدينية تدريجيا على هذا العلم الذي شكل ضرورة في فهم الكتاب المقدس, (ذلك لأن فكرة الهرمنيوطيقا بوصفها علما لقواعد التفسير, قد تكونت بادئ ذي بدء في النصوص التوراتية, ثم في النصوص الدنيوية)([9]) .




    أما الهرمنيوطيقا العامة فيرجع تاريخ ظهورها الى عصر التنوير في القرن الثامن عشر الميلادي , و(لم تعد الهرمنيوطيقا تفسيرا للنصوص المقدسة فقط، بل أصبحت "علم تأويل العلامات" وبذلك أصبح التأويل يشمل كلّ النصوص دينية وغير دينية، علمية وأدبية)([10]) .

التيارات التأويلية الحديثة:

    انبرى بعض الباحثين الى تقسيم الهرمنيوطيقا أو التيارات التأويلية الحديثة على ثلاث([11]) :

*  التيار الأنثروبولوجي والسيميائي:

      التيار الأنثروبولوجي حافظ على الرهان الفلسفي القديم بتقسيم معنى النص الى ظاهر وباطن , وان المعنى الباطن أهم من المعنى الظاهر, لتتحول هذه القسمة الثنائية الى ما يسمى بتعدد المعاني .

*  التيار التفكيكي:

      التيار التفكيكي انطلق من مقولة: ان كل نص لا يتضمن تأويلات مختلفة فحسب, بل يقبل تأويلات متناقضة يلغي بعضها بعضا, وتتفرع عن هذه المقولة عدة تعاليم منها: ان النص يجب أن يهدم حتى يتهاوى نسيجه التعبيري .

* التأويلية الفلسفية:

       تتكئ التأويلية الفلسفية على الفلسفة القديمة والحديثة والمعاصرة, فتتجاوز إشكالية النص الى محاولة فهم الإنسان وأوضاعه, والتفكير في أزمة العلوم الإنسانية وأسسها, فهي فلسفة تتصف بالنظرة الشمولية الى كل ما في الكون .

      هذا مجمل ما يتعلق بنشأة الهرمنيوطيقا، فإن أحببت التعرّف على مصطلح الهرمنيوطيقا ودلالاته بصورة تفصيلية اضغط هنا 
                

الدكتورة نهضة الشريفي

 الهوامش: 



([1]) م . ن : 33
([2]) يوهان كونراد دانهاور فيلسوف ألماني(1603-1666) وهو عالم لغوي لوثري لاهوتي, كان أستاذا في علم الخطابة واللاهوت في ستراسبورغ , وله مؤلفات عدّة , منها: شرح كتاب التعليم المسيحي – حكمة المسيحيين من اللآهوت الإيجابي – كتاب الضمير أو لاهوت الضمير . المصدر: مفهوم الهرمينوطيقا في فلسفة هايدغر, محمد سيد عيد, مجلة الاستغراب, العدد الخامس, السنة الثانية, 1437ه- خريف 2016م : 359
( ) فلسفة التأويل ، غادامير : 63
([3]) فلسفة التأويل ، غادامير : 63
([4]) الهرمنيوطيقا ومنطق فهم الدين : 31
([5]) ظ مفهوم التأويل في الفكر العربي المعاصر, نصر حامد أبو زيد أنموذجا, رسالة ماجستير, علي دريدي , 1436ه – 2015م , الجزائر : 3
([6]) ظ فلسفة التأويل , جادمير: 84
([7]) النظرية التأويلية عند بول ريكور، حسن بن حسن , منشورات الاختلاف، ط: 2- 2003 - الجزائر :14
* الميتودولوجيا معناها: الطريق إلى... المنهاج المؤدي إلى... ، وموضوعها هو الدراسة القبْلية للطرائق, وبالأخص الطرائق العملية, وهي تحليل للطرائق العلمية بلحاظ غاياتها ومبادئها وتقنياتها وإجراءاتها, وهي أيضا مجموعة من الخطوات أو المراحل المنظمة والمرتبة عبر سلسلة محددة . ينظر: المعجم التربوي , اعداد: ملحقة سعيدة الجهوية , إثراء: فريدة شنان – مصطفى هجرسي , تنقيح: عثمان آية مهدي , الجزائر – 2009م : 89
( ) النظرية التأويلية عند بول ريكور , حسن بن حسن : 14
([8]) النظرية التأويلية عند بول ريكور , حسن بن حسن : 14
([9]) صراع التأويلات , بول يكور : 99
([10]) فصول في القراءة والتأويل , مليكة دحامنية , اطروحة دكتوراه , الجزائر , 2010 - 2011: 52
([11]) ظ مجهول البيان , محمد مفتاح : 102

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات