مفهوم الحديث المنكر
من المباحث التي أفرد لها
المحدثون مساحة واسعة في مؤلفاتهم مصطلحات علم الحديث؛ وذلك بغية تنقية الأحاديث
الشريفة من الكذب والدس والتدليس والشذوذ والنكارة وغير ذلك مما تنزه عنه كلام
الرسول وأهل بيته ع .
والحديث المنكر هو أحد
المصطلحات الحديثية التي اهتم بها الباحثون، وسنتناول مفهومه في اللغة والاصطلاح .
المنكر لغة :
المنكر اسم مفعول من (أنكر) بمعنى جحده أو لم
يعرفه([1]),
وذكر الراغب الاصفهاني أن الإنكار ضد العرفان, قال تعالى) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ(([2]) ، ]فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ
وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (([3]) .
والمنكر كل فعل تحكم العقول الصحيحة بقبحه،
أو تتوقف في استقباحه واستحسانه، فتحكم بقبحه الشريعة كما في قوله تعالى )وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ(([4])، )
كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ (([5]), وتنكير الشيء من حيث
المعنى جعْله بحيث لا يُعرف([6]).
والمنكر من الأمر خلاف المعروف وقد تكرر في
الحديث الإنكار والمنكر من الأمر وهو ضد المعروف، وكل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه
فهو منكر([7]).
المنكر اصطلاحا:
تباينت آراء العلماء والمحدثين في تحديد مصطلح
المنكر، فمنهم من توسع في دلالة المنكر بإطلاقه على الفرد المطلق، وهو الحديث الذي
يتفرد به الراوي مهما كانت درجته ثقة كان أم ضعيفا([8]). أو إطلاق المنكر على التفرد
والمخالفة ممن لا يحتمل منه ذلك ثقة كان ضعيفا([9])، ومنهم من قيد دلالة المنكر فأطلقه
على التفرد والمخالفة من الضعيف.
قال ابن حجر:( إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ ، أو المضعّف في بعض مشايخه دون بعض بشيء لا متابع له ولا شاهد فهذا أحد قسمي المنكر، وهو الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث، وان خولف في ذلك فهو القسم الثاني وهو المعتمد على رأي الأكثرين)([10]).
ويؤيد ذلك الأهدل بقوله:( المنكر هو ما رواه الضعيف مخالفا لمن هو أولى منه, ويقال للحديث الذي تفرد بروايته ضعيف ولا يعرف متنه من غير روايته: حديث منكر، وان لم تحصل المخالفة منه )([11]) .
وعند الشريف الجرجاني: ورد تعريف المنكر في الاصطلاح بأنه: ( ما ليس فيه رضاء الله من قول أو فعل، والمعروف ضده )([12]).
وقال الحافظ أبو بكر البرديجي: ( إنه الحديث الذي ينفرد به الرجل ولا يُعرف متنه من غير روايته، لا من الوجه الذي رواه منه ولا من وجه آخر)([13]).
أما ابن الصلاح: فقد عرف المنكر بقوله : (المنكر ينقسم قسمين، الأول هو المنفرد المخالف لما رواه الثقات، والثاني هو الحديث الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده)([14]).
وعن محمد حسين الذهبي: أن ( المنكر هو ما انفرد الراوي الضعيف به، وقد يعدّ مفرد الصدوق منكرا )([15]).
وأما ابن دقيق العيد: فعنده أن الشذوذ والنكارة متماثلان إذ قال ( الشاذ: هو ما خالف راويه الثقات أو ما انفرد به من لا يحتمل حاله أن يقبل ما تفرد به ، المنكر: وهو كالشاذ ، وقيل هو ما انفرد به الراوي وهو قول منقوض بالأفراد الصحيحة)([16]).
ويلاحظ أن ابن كثير: هو ممن ماثل بين الشذوذ والنكارة أيضا بصريح العبارة لدى تعريفه المنكر: ( وهو كالشاذ: إن خالف راويه الثقات فمنكر مردود, وكذا إن لم يكن عدلا ضابطا وان لم يخالف فمنكر مردود. وأما إن كان الذي تفرد به عدل ضابط حافظ ، قُبِل شرعا ، ولا يقال له منكر ، وان قيل له ذلك لغةً )([17]).
وقال ابن حجر: الحديث المنكر (ما رواه الراوي الضعيف مخالفا للثقات)([18]).
وعن الماماقاني: ( المنكر هو ما رواه غير الثقة مخالفا لما رواه جماعة، ولم إلا إسناد واحد )([19]).
ويقول صبحي الصالح: وهو من الباحثين المتأخرين: ( إن الحديث الذي يرويه الضعيف مخالفا رواية الثقة، وهو يباين الشاذ، إذ إن راوي الشاذ ثقة بينما راوي المنكر ضعيف غير ثقة )([20]) .
هذه هي جملة من مذاهب القوم ومتبنياتهم
في تحديد مصطلح المنكر, فمنهم من توسع في دلالة المنكر بإطلاقه على الفرد المطلق
أو إطلاقه على التفرد والمخالفة ممن لا يحتمل منه ذلك ثقة كان أم ضعيفا, ومنهم من
قيد دلالته بإطلاقه على التفرد والمخالفة من الضعيف. وبعضهم ماثل بين الشذوذ
والنكارة كابن كثير وابن دقيق العيد.
أما ما هي أسباب نكارة الحديث المنكر؟
وما أنواع الحديث المنكر؟
وما علاقة الحديث المنكر بغيره من مصطلحات الحديث ؟ فلنا وقفة أخرى معها .
د. نهضة الشريفي
[1] ) ظ القاموس المحيط , الفيروز آبادي, فصل النون باب الراء : 2/ 148
[2] ) هود : 70
[3] ) يوسف : 85
[4] ) آل عمران : 104
[5] ) المائدة : 79
[6] ) ظ المفردات في
غريب القران, الراغب الأصفهاني: 507
[7] ) ظ لسان العرب :
[8]) ظ تهذيب التهذيب ،
ابن حجر العسقلاني: 3/445
[9]) الضعفاء - العقيلي :
3 / 445
[10]) النكت- ابن حجر : 274
[11]) مصطلح الحديث ورجاله
، حسن محمد الاهدل : 133
[12]) التعريفات ، الجرجاني
: 190
[13] ) معرفة أنواع علم
الحديث, ابن الصلاح ( النوع الرابع عشر ) : 80
[14] ) م.ن : 81
[15] ) الموقظة في علم
الحديث، ابن الصلاح ( النوع الرابع عشر ) : 80
[16]) نزهة النظر، ابن حجر
العسقلاني :52
[17]) الباعث الحثيث في
اختصار علوم الحديث، ابن كثير : 18
[18]) نزهة النظر ، ابن حجر
:53
[19]) مقباس الهداية : 1/
199
[20]) علوم الحديث , صبحي الصالح
:203
تعليقات
إرسال تعليق