علاقة الحديث المنكر بغيره من مصطلحات الحديث
ثمة علاقة بين الحديث المنكر وغيره من المصطلحات الأخرى، لوجود نقاط التقاء ونقاط افتراق بينه وبين الأنواع الأُخر، وسنقف في هذا البحث على اثنين منها ونبين علاقتهما بالحديث المنكر، وهما الحديث الشاذ والحديث المتفرد.
أولا : علاقة المنكر بالشاذ
اختلفت آراء العلماء في تعريف الحديث الشاذ، ومنهم :
1)
الحافظ الخليلي : قال : (الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد
، يشذ بذلك شيخ ، ثقة كان أو غير ثقة ، فما كان غير ثقة فمتروك لا يقبل وما كان عن
ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به ) ([1])
يشير إلى أن الشذوذ هو مطلق التفرد.
2) الحاكم النيسابوري : يرى أن الشذوذ تفرد الثقة دون غيره إذ يقول : (هذا النوع من معرفة الشاذ من الروايات ، وهو غير معلول ، فان المعلول ما يوقف على علته انه دخل حديث في حديث ، أو وهم فيه راوٍ أو أرسله واحد فوصله واهم . أما الشاذ فانه حديث ينفرد به ثقة من الثقات وليس للحديث اصل متابع لذلك الثقة) ([2]) .
3)
الشافعي: يرى أن الشذوذ مخالفة الثقة لما رواه الثقات (
ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة حديثا لم يروه غيره ، إنما الشاذ من الحديث أن
يروي الثقات حديثا يشذ عنهم واحد فيخالفهم ) ([3]) .
4)
الترمذي : الشذوذ عنده مطلق المخالفة فانه يرى أن الشاذ
هو مخالفة الراوي –ثقة كان أم ضعيفا- للأوثق منه ([4]).
5)
ابن حجر : يعتقد أن ( الشاذ ما رواه المقبول مخالفا لمن
هو أولى منه ) ([5]).
6)
ابن الصلاح : عندهم أن الشاذ هو المخالفة والتفرد ممن لا
يقبل منه ذلك الثقة كان أم ضعيفاً فعن ابن صلاح أن: (الشاذ المردود قسمان ، احدهما
: الحديث الفرد المخالف ، الثاني: الفرد الذي ليس في الرواية من الثقة والضبط ما
يقع جابرا ً لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف)([6]).
7)
وعن الذهبي أن (الشاذ هو ما خالف رواية الثقات أو ما
تفرد به من لا يحتمل حاله قبول تفرده) ([7]) .
أما العلاقة بين الحديث المنكر والحديث الشاذ
فقد أخذت نصيبها من التباين والاختلاف في آراء العلماء بين من يفرقها وبين من يجمعهما :
1-التفريق بين المنكر والشاذ :
ممن فرق بين الحديث المنكر والشاذ ابن حجر والسخاوي ، ومن
أوائل من بيّن هذه العلاقة بين المنكر والشاذ الحافظ صالح جزرة عندما سُئل عن
الشاذ فقال: ( هو الحديث المنكر الذي لا يعرف) ([8]) .
قال ابن حجر:
( الشاذ ما رواه المقبول مخالفا من هو أولى منه ، وهذا هو المعتمد في تعريف الشاذ
بحسب الاصطلاح ، وان وقعت المخالفة لدفع الضعف فالراجح يقال له المعروف ومقابله
يقال له المنكر، وعرف بهذا : إن بين الشاذ والمنكر عموما وخصوصا من وجه لأن بينهما
اجتماعا في اشتراط المخالفة ، وافتراقا في إن الشاذ رواية ثقة أو صدوق ، والمنكر
رواية ضعيف ، وقد غفل من سوّى بينها ) ([9]) .
وقال السخاوي: ( فبان
بهذا فصل المنكر عن الشاذ ، وان كلا منهما قسمان يجتمعان في مطلق التفرد ،
ويفترقان في أن الشاذ رواية ثقة أو صدوق غير ضابط ، والمنكر رواية ضعيف بسوء حفظه
، أو جهالته أو نحو ذلك ) ([10]).
2-الجمع بين المنكر والشاذ وعدم التفريق بينها :
وممن تبنى هذا الرأي:
ـــ ابن الصلاح، إذ قال ( المنكر ينقسم إلى قسمين
على ما ذكرناه في الشاذ فانه بمعناه
)([11]).
وأكد السيوطي رأي ابن الصلاح بقوله (قد علم مما تقدم بل من صريح كلام ابن الصلاح
أن الشاذ والمنكر بمعنى ) ([12]).
-
ابن رجب ، وذلك في قوله ( ومن جملة الغرائب المنكرة :
الأحاديث الشاذة المطرحة) ([13]).
-
ابن كثير في قوله (المنكر وهو كالشاذ ) ([14]).
ثانيا : علاقة المنكر بالتفرد
تعريف التفرد : التفرد هو مصطلح يطلق على الحديث الغريب والفرد ، قال
ابن حجر : ( الغريب والفرد مترادفات لغة واصطلاحا ) ([15]).
وقال الذهبي
( الغريب صادق على ما صح وعلى ما لم يصح ، والتفرد يكون لما انفرد به الراوي
إسنادا أو متنا ، ويكون لما تفرد به عن شيخ معين ، كما يقال : لم يروه عن سفيان
إلا ابن مهدي ) ([16])
.
ولكن ابن
الصلاح يرى الاختلاف بين الغريب والفرد ويميز بينهما بقوله ( الحديث الذي تفرد به بعض الرواة يوصف
بالغريب ، وكذلك الحديث الذي يتفرد به بأمر لا يذكر فيه غيره أما في متنه أو في
إسناده ، وليس كل ما يعد من أنواع الافراد معدودا من أنواع الغريب كما في الافراد
المضافة إلى البلاد) ([17])
.
والعلاقة بين
الفرد والمنكر مبنية على ان التفرد علامة من علامات النكارة، وللتفرد جانبان : جانب المتفرِّد - وجانب المتفرَّد به .
أولا : جانب المتفرِّد :
وهو متعلق بالراوي :
أ- وثاقة الراوي
يعتمد على : درجة وثاقة الراوي المتفرد بالحديث وقوة
ضبطه وملازمته لشيخه الذي انفرد عنه لها اكبر الأثر في قبول تفرده :
1)
فإذا كان المتفرد إماما واسع الحفظ بين الضبط والإتقان
تدور عليه كثير من السنن فان ما يتفرد به لا يغمز لأول وهلة ، بل إن هذا المقدار
هو الذي رقاه إلى رتبة الإمامة في الحديث .
2)
أما إذا كان المتفرد من زمرة الثقات لكنه لم يتخذ إماما
في هذا الشأن فان ما ينفرد به يحتمل أن يكون واهما فيه احتمالا زائدا عن احتمال
تفرد الأئمة فينظر إلى القرائن التي حفت بهذا التفرد ، ومعنى هذا إن النقاد قد
يقبلون افراده أحيانا وقد يردونها أحيانا أخرى .
3)
وأما إذا كان المنفرد صدوقا لم يبلغ درجة الثقات في
الضبط والإتقان فان احتمال خطئه فيما انفرد به يزداد لذا فان النقاد قد يردون
افراده ـــ بحسب القرائن ـــ أكثر مما يقبلونها .
4)
وإذا كان الراوي المنفرد أدنى من هذه الدرجة في الضبط
حيث ضم في جملة الضعفاء فان افراده التي لم يتابع عليها ترد وتزداد نكيرا كلما
كانت مخالفة للشواهد والقواعد ([18]).
ب- الطبقة الزمنية للراوي
إن العصر الذي عاش
فيه الراوي له اثر كبير في قبول تفرده أو رده ، قال الذهبي : ( فهؤلاء الحفاظ
الثقات إذا انفرد الرجل منهم من التابعين فحديثه صحيح ، وان كان من أصحاب الأتباع
قيل : غريب فرد ... ثم ننتقل إلى اليقظ الثقة المتوسط المعرفة والطلب فهو الذي
يطلق عليه انه ثقة وهم جمهور رجال الصحيحين . فتابعيهم إذا انفرد بالمتن خُرِّج
حديثه ذلك في الصحاح ... فإذا كان المنفرد
من طبقة مشيخة الأئمة أطلقوا النكارة على ما انفرد به ... وقالوا هذا منكر ) ([19]).
ثانيا: جانب المتفرَّد به
وهو متعلق بالحديث
أو الرواية، وينقسم على : متن وإسناد
أ-
المتن :
1)
إذا كان المتن مخالفا لأدلة الشرع فهنا يراد التفرد به
ويعد منكرا مخالفا للمعروف .
2)
أو يكون مما يتوفر الدواعي على نقله بان يكون متن الحديث
مشتملا على حكم شرعي في مسالة وتتكرر كثيرا ، أو يكون المتن أصلا تبنى عليه أحكام
لا تبنى على غيره ، أو يكون مشتملا على قصة
تتجه إليها همم النقلة وهذا مما تتوافر الهمم على نقله .
ب-
الإسناد :
1)
تفرد الراوي بإسناد موصوف بأنه من اصح الأسانيد وهذا
النوع من الأسانيد تتجه إليه همة المحدثين .
2)
تفرد الراوي برواية الحديث على الجادة ، والجواد تنقلب
إليها الأسانيد كثيرا .
3)
شهرة الحديث من طريق ما ، ثم يتفرد راو بروايته من طريق
اشهر من الطريق التي عرف المتن منها .
4)
تفرد الراوي بالحديث من غير أهل بلده([20])
.
قال ابن الصلاح (
الإفراد منقسمة إلى : ما هو مفرد مطلق ، والى : ما هو فرد بالنسبة إلى جهة خاصة ) ([21]).
وفصّل ابن حجر (
المطلق ينقسم إلى قسمين ، الأول : تفرد شخص من الرواة بالحديث , الثاني: تفرد أهل
بلد بالحديث دون غيرهم . وأما النسبي فيتنوع أيضا أنواعا ، احدها: تفرد شخص عن شخص . ثانيا : تفرد أهل بلد عن
شخص, ثالثا : تفرد شخص عن أهل بلد . رابعا : تفرد أهل بلد عن أهل بلد أخرى )
([22]).
ونذكر في
خاتمة المبحث ما قاله ابن رجب ( ومن جملة الغرائب المنكرة : الأحاديث الشاذة
المطّرحة ) ([23]) .
لمعرفة المزيد عن الحديث المنكر يمكنك الرجوع الى :
نماذج تطبيقية في الأحاديث المنكرة
د. نهضة الشريفي
الهوامش:
[1] ) الإرشاد ، الخليلي : 13
[2] ) معرفة علوم الحديث ، الحاكم النيسابوري : 119
[3] ) الكفاية في علم الرواية، الخطيب البغدادي 171
[4] ) ظ السنن ، الترمذي :5\711
[5] ) نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ، ابن حجر العسقلاني :
32
[6] ) تدريب الراوي ، السيوطي : 152
[7] ) الموعظة في العلم المصلح ، الذهبي : 42
[8] ) الكفاية في علم الرواية ، الخطيب البغدادي : 171
9) نزهة النظر ، ابن حجر 52
[11] )علوم ، ابن الصلاح : 80
[12] ) تدريب الراوي ، السيوطي : 156
[13] ) شرح علل الترمذي : 2/ 624
[14] )اختصار علوم الحديث ، ابن كثير :55
[15] ) نزهة النظر ، ابن حجر :37
[16] ) لموقظة في علم المصطلح ، الذهبي : 43
[17] ) مقدمة علوم الحديث ، ابن الصلاح :270
[18] ) ظ الحديث المنكر عند نقاد الحديث ، رسالة
جامعية : 122-125
[19] ) الموقظة للذهبي : 77
[20] )ظ : الحديث المنكر عند نقاد الحديث ، عبد
الرحمن السلمي : 127- 130
[21] ) الموقظة للذهبي : 7مقدمة علوم الحديث ، ابن
الصلاح : 887
[22] ) النكت ، ابن حجر : 291
[23] ) الكفاية في علم
الرواية ، الخطيب البغدادي :171
تعليقات
إرسال تعليق