القائمة الرئيسية

الصفحات

المصدر النقلي لتفسير القرآن الكريم

 المصدر النقلي لتفسير القرآن الكريم

 

المصدر النقلي لتفسير القرآن الكريم

ما هو المصدر النقلي؟

    المراد بالمصدر النقلي هو : تفسير القرآن الكريم بالمنقول من المأثور، سواء أكان هذا المأثور دراية قطعية متواترة كالقرآن، أم رواية تتقلب بين الظن والقطع فتكون قابلة للنفي والإثبات بحسب موازين تقييم الروايات المتواترة ، والمشهورة، وأخبار الآحاد .


فالأول: هو تفسير القرآن بالقرآن، وهو أرقى مصادر التفسير، وذلك عن طريق:

-        مجابهة الآيات بعضها لبعض، وعرض الآيات بعضها على بعض، ويستخرج حينئذ من مقابلتها معنى اللفظ أو الجملة أو الآية ، فيرجع إلى المحكم في تفسير المتشابه، وإلى المبين في معرفة المجمل، وإلى المسهب في تعريف الموجز، وإلى المعلن في استجلاء المبهم، وإلى الواضح في استنباط الخفي، وهكذا .


والثاني: تفسير القرآن بالرواية، وطريقه:

-       إما أن يكون المصدر الروايات الصادرة عن النبي ص بما ورد تفسيره عنه، كأن يقرر القرآن أصلا ويكون التفريع عليه بالسنة، أو يُجمل أمرا يكون تبيينه في السنة قولا أو فعلا أو تقريرا.


-       وإما أن يكون مصدر ذلك أئمة أهل البيت ع ، فأهل البيت ع عند بعض المسلمين لاسيما الإمامية منهم أن روايتهم هي رواية النبي ص وهم أدرى بالقرآن من غيرهم، وإنهم عدل القرآن تواترا. فما أخرجه الترمذي وأورده ابن الأثير عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال : رأيت رسول الله هو في حجة الوداع يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: ( إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي.. ) .


-       أو يكون مصدره صحابة النبي ص ، وقد أختلف في حجية تفسيرهم؛ إلا أن تفسير الصحابي عندهم بمنزلة المرفوع إلى النبي، وبعضهم يرى أن تفسير الصحابي بمنزلة المرفوع إلى النبي فيما فيه سبب النزول ، كالحاكم النيسابوري في قوله: ( ومن الموقوفات تفسير الصحابة، وأما من يقول أن تفسير الصحابة مسند، فإنما يقوله فيما فيه سبب النزول ) .


-       أو يكون مصدره التابعين ، وفي الرجوع إلى قول التابعي روايتان عن أحمد، وابن عقيل، واختيار ابن عقيل المنع، لكن عمل المفسرين على خلافه، وقد حكوا في كتبهم أقوالهم . والوقوف على هذا المصدر يقتضي البحث عن دلائله من جهة ، ويستدعي تمحيص الآراء فيه ليخلص إلى النتيجة .


هل فسّر الرسول ص القرآن كله؟

    الذي صح عن الرسول الأعظم من تفسير القرآن قليل جدا بحسب الروايات في جميع كتب التفسير، بل أصل المرفوع إليه منه في الغالب من القلة بمكان، وقد جمع السيوطي ذلك في صفحات معدودة من الاتقان . نعم زاد عليه في جملة العرض والروايات هاشم البحراني في تفسير البرهان.


    والحكمة فيه كما قيل، أن الله تعالى أراد أن يتفكر عباده في كتابه فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد في جميع آياته، بل هناك ما هو أولى بالقول، فإنه قد أعدّ لذلك من أهله لتحمل رسالة التفسير والقيام بها من بعده خير قيام، وهنا يتجلى دور أهل البيت ع بما لا مزيد عليه، ويؤيده قول الإمام جعفر بن محمد الصادق ع : (كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وفضل ما بينكم، ونحن نعلمه).


موقف العلماء من روايات الأئمة ع :

    إن علماء علوم القرآن من مدرسة الصحابة يبحثون عن مصادر مكملة للمصدر النقلي أو سائرة بخطه في الأقل، متناسين المقام الأسمى للأئمة ، بل يحشرونهم حشرا في جملة الصحابة تارة، وفي جملة التابعين وتابعي التابعين تارة أخرى .


1.   الزركشي

    قال الزرکشي: ( واعلم أن القرآن قسمان: أحدهما ورد تفسيره في النقل عمن يعتبر تفسيره، وقسم لم يرد، والأول ثلاثة أنواع: إما أن يرد التفسير عن النبي أو عن الصحابة، أو عن رؤوس التابعين؛ فالأول يبحث فيه عن صحة السند، والثاني ينظر في تفسير الصحابي، فإن فسره من حيث اللغة فهم أهل اللسان، فلا شك في اعتمادهم، وإن فسره بما شاهد من الأسباب والقرائن فلا شك فيه ... وأما الثالث فهم رؤوس التابعين إذا لم يرفعوه إلى النبي ولا إلى أحد الصحابة (رض) فحيث جاز التقليد فيما سبق، هكذا هنا وإلا وجب الاجتهاد).


    فكأن المصدر النقلي التشريعي عند الزركشي ينحصر في ثلاثة فرقاء ، النبي والصحابة ورؤوس التابعين:

·       فما لا شك معه – وهو الصحيح والمتواتر متنه من النبي ص - يجب أن يبحث فيه عن سنده فقط .

·       وأما قول الصحابي فتفسيره من حيث اللغة مقبول وكذلك في الاستناد إلى مشاهدات قرائن الأحوال .

·       وأما قول التابعي إذا لم يرفعه الى النبي، فقد جوز به التقليد تارة، والاجتهاد بمنأى عنه تارة أخرى .


    وقد اعتبر الزرکشي الإمام علي ع ضمن الصحابة ولم يفرد له حديثا إلا أنه اعتبره مقدما في الصناعة ثم ابن عباس، وهو تجرد لهذا الشأن، والمحفوظ عنه أكثر من المحفوظ عن علي ع ، إلا أن ابن عباس كان قد أخذ عن علي ع ، وعلى هذا يكون الإمام علي ع مصدر ابن عباس في التفسير فهذا أولى بالرجوع إليه في هذا الفن .


2.   السيوطي

    قال السيوطي: ( أما الخلفاء فأكثر من روي عنه هو علي بن أبي طالب، فعن أبي الطفيل قال: شهدت عليا يخطب وهو يقول : سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم، أبليل نزلت أم في نهار، أم في سهل ام جبل).


3.   الطوسي

    حصر الشيخ الطوسي (ت: 460 هـ) المصدر النقلي بعد النبي ص بأهل البيت ع في مقدمة تفسيره فقال : (وقد روي عن النبي ص رواية لا يدفعها أحد أنه قال : إني مخلف فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ) .

    ووجه الاستدلال بالحديث يقضي:

-       بأن أهل البيت والقرآن متلازمان

-       وأن أحدهما متمم للآخر

-       وإن استخلاف النبي للقرآن والعترة يعني معرفة العترة بما في القرآن

-       وأن الضلال إنما يدفع بالتمسك بهما


    والطوسي يوضح هذه الفكرة ويشرحها، ويضيف إليها ما يحدد به المصدر التشريعي لتفسير القرآن فيقول: ( ولا ينبغي لأحد أن ينظر في تفسير آية لا ينبئ ظاهرها عن المراد تفصيلا، أو يقلد أحدا من المفسرين - إلا أن يكون التأويل مجمعا عليه، فيجب إتباعه، لمكان الإجماع - بل ينبغي أن يرجع إلى الأدلة الصحيحة، إما العقلية أو الشرعية مع إجماع عليه، أو نقل متواتر به عمن يجب إتباع قوله، ولا يقبل في ذلك خبر الواحد).


4.   الخوئي

   يشترط السيد الخوئي الرجوع إلى النبي ص وأهل البيت ع فإنهم المراجع في الدين.

    وقد أكد هذه الحقيقة منذ عهد مبكر الإمام علي ع بقوله: ( ذلك القرآن فاستنطقوه، ولن ينطق بكم، أخبركم عنه، إن فيه علم ما مضى، وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة، وحكم ما بينكم، وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لعلمتكم) .


الخلاصة:

    مما تقدم يمكن إجمال القول عن المصدر النقلي بما يأتي:

    إن المصدر النقلي، ولك أن تسمية الشرعي، مصدر له أهميته الخاصة في تفسير القرآن الكريم لأنه يصدر عن صاحب الرسالة وآله وأصحابه، فما توافرت لدينا الأدلة على صحة سنده في طريقه إلى النبي ص، كأن يكون متواترا، أو مجمعا عليه مثلا ، وجب قبوله، وهو حجة علينا لا يجوز إغفاله .

    وما لم تصح نسبته من جهة السند أو التعارض الذي تطرح به الروايتان، أو لمخالفته سيرة المتشرعة، والعقل السوي السديد، وظواهر الكتاب، ومصادر اللغة، وطبيعة الفهم الموضوعي أو نسبة راويه للضعف أو الجهل أو الكذب أو الفسق أو السهو أو النسيان ونحو ذلك مما يلزم التجريح بالراوي، وجب رده، وعدم العمل به، واعتباره لا يمثل المراد من کلام الله تعالى

    وهذا المصدر يقتضي جهدا مخصوصا من المفسر للاضطلاع به، والتمرس على تحمل مسؤوليته، كأن يكون:

·       محيطا بأصول الدين

·       وعارفا بمجريات كلام العرب في الحقيقة والمجاز والتمثيل

·       وخبيرا بالصفات المتعلقة بذات الله لئلا يقع في التجسيم

·       وضليعا بأصول الفقه ليستطيع الاستدلال على الأحكام من الطرق التفصيلية

·       وعارفا بالناسخ والمنسوخ، ليعرف محکم الآيات مما نسخ العمل به منها

·       وعليه الالمام المحيط بالحديث الشريف، وروايات أئمة أهل البيت ع ، وما أثر عن الصحابة

·     مع ضبط طرق ذلك وقواعده، ليكون مكتمل الأداة أمام عباب التفسير الزاخر، وليصل إلى مغاليق التفسير، ومعالم التأويل.


                                   د. نهضة الشريفي


     يمكنك الاطلاع أيضا على:


     المصدر العقلي لتفسير القرآن الكريم


     المصدر اللغوي لتفسير القرآن الكريم



المصدر:

ينظر: المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق 

تأليف الدكتور محمد حسين الصغير :  ص 61 - 70

 


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات