القائمة الرئيسية

الصفحات

المصدر اللغوي لتفسير القرآن الكريم

 

المصدر اللغوي لتفسير القرآن الكريم

المصدر اللغوي لتفسير القرآن الكريم

    المصدر اللغوي مصدر مهم من مصادر التفسير وهو: تفسير القرآن الكريم بلغة العرب من شعر ونثر وخطابة ومُثل ورسائل، فقد اشتهر العرب بفصاحتهم وبلاغتهم ونبوغهم وأشعارهم ومعلقاتهم، بما يمكن ان تحتل معه اللغة العربية مكانة سامية وراقية في خدمة الكتاب العزيز، وتفكيك ما أبهم من ألفاظه.


ضرورة المصدر اللغوي:

    يمكننا أن نصل إلى ضرورة المصدر اللغوي عقليا وحسيا باستقراء ما كتب في القرآن وتفسيره ، لنستدل على الحقائق الآتية :


1)   إن القرآن نزل بلسان عربي مبين، فأهل اللسان بعد هذا عادة هم أدرى به وأروى للغته، وهو موجه لهم، وعليهم معرفة ما فيه من أمر ونهي، وزجر وعبرة، ليكون التكليف منسجما مع الفهم؛ أما تكليف الإنسان بما لا يفهم ولا يعي فهو خلاف التبيين الذي صرح به الكتاب الكريم.


2)   إن كثيرا من الأئمة والصحابة والتابعين كانوا إذا سئلوا عن معنى كلمة غريبة في القرآن رجعوا إلى شعر العرب، واستشهدوا بأقوالهم وجعلوا ذلك ميزانا حاكما فيما يجيبون به، وهم بذلك يختلفون شدة وضعفا ، إلا أن أشهرهم بذلك ابن عباس.


3)   إن أرباب المعرفة، وجهابذة اللغة، وفي طليعتهم: أبو عبيدة والفراء والمبرد وابن قتيبة والزجاج والشريف الرضي والراغب الأصفهاني وأمثالهم، قد ألفوا في الغريب والمعاني والألفاظ القرآنية، وقد أرجعوا جملة كبيرة من أصول ذلك إلى أقوال العرب، وما يؤثر عنهم من شعر ونثر ومُثل .


4)   إن المفسرين بصورة عامة قد استندوا على اللغة في كثير من النصوص القرآنية ؛ فبحثوا القراءة والحجة والأعراب والأصوات والتصريف وعلل النحو؛ كما خاضوا في تفصيلات اللغة المنسجمة مع بلاغة القرآن من مجاز وكناية واستعارة وتشبيه وتمثيل مما يسهل فهم القرآن، وكان هذا الأمر متداولا فيما بينهم منذ نشأة التفسير في أحضان علم الحديث حتى تطوره وتجدده في القرون المتأخرة والعصر الحاضر.


    ومن مجموع ما تقدم يمكن القول بصلاحية اللغة مصدرا تفسيريا غنيا، وبانضمامه إلى المصدرين النقلي والعقلي، يتوصل عادة إلى فهم مراد الله تعالى من كلامه في كتابه العزيز .


أقوال العلماء في المصدر اللغوي:

    نص على أهمية المصدر اللغوي كثير من العلماء والفقهاء حتى عاد مجالا خصبا لكثير من الأقوال. فقد روي عن أنس بن مالك قوله: ( لا أوتي برجل غير عالم بلغات العرب يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالا)، ويقتضي هذا أن العالم بلغات العرب له الصلاحية والأهلية للتصدي للعملية التفسيرية، فيجوز لأهل العلم باللغة العربية أن يفسروا القرآن على شرائط اللغة، والدليل على ذلك إجماع أصحاب الرسول ص على تفسير القرآن على شرائط اللغة .

    ومن جملة هؤلاء العلماء:


الشيخ الطوسي:

    أوضح الشيخ الطوسي ( ت:460ه) أن معاني القرآن على أربعة أقسام لدى تفسيرها، وأن القسم الثاني : ما كان ظاهره مطابقا لمعناه، فكل من عرف اللغة التي خوطب بها عرف معناها، فقد احتج بمعرفة اللغة على تفسير النوع الثاني من معاني القرآن وهو مما يعضد هذا المصدر.


    وكان الطوسي قد ذكر في مقدمة تفسيره : أن الفراء والزجاج ومن أشبههما من النحويين، أفرغوا وسعهم فيما يتعلق بالإعراب والتصريف، وأن المفضل بن سلمة وغيره قد استكثروا من علم اللغة واشتقاق الألفاظ ، ولم ينتقدهم على ذلك وإنما أراد منهم الرجوع مضافا إلى المصدر اللغوي إلى المصدرين المتممین له ، وهما النقلي بخاصة، والعقلي عموما.


متى نحتاج الى اللغة في التفسير؟

    الحاجة إلى اللغة في التفسير تصبح ضرورة عندما لا نجد نصا يفسر لنا القرآن ، وفي مثل هذه الحالة يكون التوصل إلى فهمه في النظر إلى مفردات الألفاظ من لغة العرب ومدلولاتها بحسب السياق، وبديهي أن فقدان النص - عادة - لا يكون إلا حينما يكون النص القرآني مفهوما بحسب التبادر الذهني العام عند إطلاق الألفاظ في اتضاح مدلولاتها لغة .


    وليس لغير العالم بحقائق اللغة ومفهوماتها تفسير شيء من الكتاب العزيز، ولا يكفي في حقه تعلم اليسير منها، فقد يكون اللفظ مشتركا وهو يعلم أحد المعنيين.


لابد من شروط في الشواهد الشعرية:

    قال الطوسي: ومتى كان التأويل يحتاج إلى شاهد من اللغة ، فلا يقبل من الشاهد إلا ما كان معلوما بين أهل اللغة، شائعا بينهم ، وأما طريقة الآحاد من الروايات الشاردة ، والألفاظ النادرة ، فإنه لا يقطع بذلك ، ولا يجعل شاهدا على كتاب الله، وينبغي أن يتوقف فيه ، ويذكر ما يحتمله ولا يقطع على المراد بعينه، فإنه متى قطع بالمراد كان مخطئا ، وإن أصاب الحق .


    والطوسي بهذا يضع المصدر اللغوي في هامش الأدلة العقلية والشرعية، لأنه يشترط به الشياع عند أهل اللغة، والتواتر في نقولهم، فالشاذ لا يفسر به القرآن، والنادر لا يكون دليلا على التأويل، ولا شاهدا على كتاب الله تعالى حتى وإن أصاب به الواقع، لأنه قائم على الظن والحدس لا القطع واليقين بخلاف الدليل النقلي المتواتر، أو الملحظ العقلي المقطوع بصحته، وفي هذا ضبط دقيق لمشروعية هذا المصدر .


ابن خلدون:

    بالغ ابن خلدون (ت: ۸۰۸ه) في تقويمه للمصدر اللغوي حينما اعتبر العرب جميعا يفهمون تركيب القرآن ومعانيه، لأنه نزل بلغتهم؛ فقال: ( وإن القرآن نزل بلغة العرب، وعلى أساليب بلاغتهم، فكانوا كلهم يفهمونه، ويعلمون معانيه في مفرداته وتركيبه).


    ومهما أوتي العربي من دقة الفهم، وملكة الاحاطة باللغة، وسعة الثقافة في المفردات، فلن يستطيع سبر أغوار القرآن جميعا، ولا كشف أبعاده كشفا مميزا بحيث يبلغ بذلك الذروة، نظرا لرقي الكتاب نظما وتأليفا - كونه كلام الله تعالى - مما يجعل ذلك متعسرا على الكثيرين من القدامى والمحدثين، فكيف تصح الدعوى بفهم العرب جميعا للقرآن. وإذا لم يفهم الانسان قواعد اللغة، ولا أصول العربية خبط خبط عشواء، وكان عليل الرأي سقيم الفهم، وكذلك من لم يفهم غرض الشرع وقع في الجهالة والضلالة.


    ولنا وقفة أخرى مع علماء آخرين نستعرض أقوالهم بشأن المصدر اللغوي، منهم أبو حيان الأندلسي والزمخشري والطباطبائي وغيرهم، وذلك في القسم الثاني من هذا البحث، والذي يحمل عنوان ( أقوال العلماء في المصدر اللغوي) .


د. نهضة الشريفي

        يمكنك الاطلاع أيضا على:

 

       المصدر النقلي لتفسير القرآن الكريم

       

       المصدر العقلي لتفسير القرآن الكريم


المصدر:

ينظر: المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق

تأليف الدكتور محمد حسين الصغير: ص 77 - 81


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات