القائمة الرئيسية

الصفحات



شبهة اليهود والنصارى حول النسخ


شبهة اليهود والنصارى حول النسخ

    المعروف بين العقلاء من المسلمين وغيرهم هو جواز النسخ بالمعنى المتنازع فيه, وخالف في ذلك اليهود والنصارى فادعوا استحالة النسخ من الله تعالى, واستندوا في ادعائهم الى شبهة هي أوهن من بيت العنكبوت .

    في هذا البحث سنستعرض خلاصة هذه الشبهة والرد عليها بشكل موجز، وفي المقدمة لابد من تعريف مفهوم النسخ:

أولا: النسخ في اللغة

 النسخ في اللغة يأتي بمعان , منها:
-      الاستكتاب, كالاستنساخ والانتساخ .
-      النقل والتحويل, ومنه تناسخ المواريث والدهور .
-      الإزالة , ومنه نسخت الشمس الظل .

ثانيا: النسخ في الاصطلاح
    تعريف النسخ اصطلاحا عند السيد الخوئي قدس سره هو: رفع أمر ثابت في الشريعة المقدسة بارتفاع أمده وزمانه , سواء أكان ذلك الأمر المرتفع من الأحكام التكليفية أم الوضعية , وسواء أكان من المناصب الإلهية أم غيرها من الأمور التي ترجع الى الله تعالى بما انه شارع.
    أو هو:  رفع الحكم عن موضوعه في عالم التشريع والإنشاء.

ثالثا: إنكار اليهود والنصارى للنسخ

    أنكر اليهود والنصارى وقوع النسخ وزعموا إن النسخ يستلزم أمرين :

(1)            عدم حكمة الناسخ, وهو الله تعالى, إذ إن تشريع الحكم من الحكيم المطلق لابد وأن يكون على طبق مصلحة تقتضيه, لأن الحكم الجزافي ينافي حكمة جاعله, وعلى ذلك فرفع هذا الحكم الثابت لموضوعه, يكون مع بقاء الحال على ما هو عليه من وجه المصلحة, وعلم ناسخه بها, وهذا ينافي حكمة الجاعل مع أنه حكيم مطلق .

(2)           جهل الناسخ بوجه الحكمة, وهذا يكون من جهة البداء, فيبدو لله نسخ الحكم, كما هو الغالب في الأحكام والقوانين العرفية, وهو يستلزم الجهل منه تعالى .
    وكلا هذين اللازمين مستحيل في حقه تعالى, وعلى ذلك يكون وقوع النسخ في الشريعة محالا لأنه يستلزم المحال.

    هذا هو ملخص شبهة اليهود والنصارى واعتقادهم بأن النسخ مستحيل على الله تعالى .



 رابعا: الردّ على الشبهة
    سيكون الردّ على هذه الشبهة بلحاظ جهتين :

                   أ‌-        قد لا يكون الحكم المجعول من قبل الحكيم حكما حقيقيا, بمعنى أنه قد لا يراد منه التوبيخ والزجر الحقيقيين, ومثاله: الأوامر التي يقصد بها الامتحان, وهذا النوع من الأحكام يمكن إثباته أولا ثم رفعه, ولا مانع من ذلك, فإن كلا من الإثبات والرفع في وقته قد نشأ عن مصلحة وحكمة, وهذا النسخ لا يلزم منه خلاف الحكمة, ولا ينشأ من البداء الذي يستحيل في حقه تعالى .

                ب‌-     وقد يكون الحكم المجعول من قِبل الحكيم حكما حقيقيا, ومع ذلك يُنسخ بعد زمان, لا بمعنى أن الحكم بعد ثبوته يرفع في الواقع ونفس الأمر كي يكون مستحيلا على الله الحكيم العالِم بالواقعيات, بل هو بمعنى :

·       أن يكون الحكم المجعول مقيدا بزمان خاص .
·       وهذا الزمان معلوم عند الله .
·       ومجهول عند الناس .
·       ويكون ارتفاع هذا الحكم بعد انتهاء ذلك الزمان, لانتهاء أمده الذي قيّد به .
    والنسخ بهذا المعنى الأخير ممكن قطعا , والدليل أن تدخل خصوصيات الزمان في مناطات الأحكام مما لا يشك فيه عاقل.

خامسا: الزمان وعلاقته بالأحكام

-      إن يوم السبت مثلا , في شريعة موسى(ع) قد اشتمل على خصوصية تقتضي جعله عيدا لأهل تلك الشريعة دون بقية الأيام .
-      ومثله يوم الجمعة في الإسلام .
-      وكذلك الحال في أوقات الصلاة والصيام والحج في الإسلام .

    وإذا تصورنا وقوع مثل هذا في الشرائع , فلنتصور أن تكون للزمان خصوصية من جهة استمرار الحكم وعدم استمراره , فيكون الفعل ذا مصلحة في مدة معينة, ثم لا تترتب عليه تلك المصلحة بعد انتهاء تلك المدة .

    فإذا كان من الممكن أن يكون للساعة المعينة, أو اليوم المعيّن, أو الأسبوع المعين, أو الشهر المعين تأثير في مصلحة الفعل أو مفسدته, أمكن إدخال السنة في ذلك الفعل أيضا.

   عندئذ سيكون الفعل مشتملا على مصلحة في سنين معينة , ثم لا تترتب عليه تلك المصلحة بعد انتهاء تلك السنين .
    فالنسخ في الحقيقة تقييد لإطلاق الحكم من حيث الزمان, ولا تلزم منه مخالفة الحكمة ولا البداء بالمعنى المستحيل في حقه تعالى .

    أما على مذهب من يرى تبعية الأحكام لمصالح في الأحكام نفسها فإن الأمر أوضح, لأن الحكم على هذا الرأي يكون شأنه شأن الأحكام الامتحانية.


الدكتورة نهضة الشريفي

 المصادر:
لسان العرب، ابن منظور
البيان في تفسير القرآن، السيد الخوئي قدس سره




















هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات