القائمة الرئيسية

الصفحات

سرّ الأسماء التي تعلّمها آدم عليه السلام

 

سرّ الأسماء التي تعلّمها آدم عليه السلام



سرّ الأسماء التي تعلّمها آدم عليه السلام

    قال  تعالى] وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا[([1])، ما الذي تعلّمه آدم ع من خالقه ليستحق هذا السجود الملائكي المهيب؟ أي سرّ للأسماء العجيبة التي دخلت في بوتقة معارفه محمّلة بفيض التقديس والتبجيل، ليتحول بها هذا الآدمي الى مسجود لمخلوقات عالية نورانية مكرّمة تسبّح وتهلّل لا تكلّ ولا تملّ؟ أي شرف عظيم هذا؟

    فلنتأمل ما أدلى به المفسرون من مقولات وآراء حول ماهية هذه الأسماء وسرّها الدفين:


أقوال المفسرين المتقدمين:     

   اختلفت الآراء وتباينت الروايات في ماهية العلم الذي تعلّمه آدم خليفة الله في الأرض، ومن هذه الآراء:

1.   إن الله تعالى علم آدم الأسماء وعرضهن عليه مع تلك الأجناس بأشخاصها ، ثم عرضها على الملائكة وسألهم عن تسمياتها التي قد تعلّمها، وهي تلك الأسماء التي يتعارف بها الناس: هذه الخيل، وهذه البغال والإبل والجنّ والوحش، واسم كل شيء: إنسان ، ودابة ، وسماء ، وأرض ، وسهل ، وبحر ، وجمل ، وحمار، وجعل يسمّي كلّ شيء باسمه، قال لهم : هذا اسمه كذا ، وهذا اسمه كذا ..


2.   علمه أسماء الأشياء كلها: جليلها وحقيرها، ذواتها وأفعالها، حتى القصعة والقصيعة، وعلمه اسم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة.


3.   وقيل: علمه صنعة كل شيء. وقيل: علمه أصحاب الأسماء.

4.   علمه أسماء الأجناس وعرّفه منافعها ، هذا كذا ، وهو يصلح لكذا.

5.   علمه أسماء ذريته كلهم، وأسماء الملائكة والنجوم.


6.   قال الطبري: وأوْلَى هذه الأقوال بالصواب، قول من قال في قوله: ]وعلم آدم الأسماء كلها[ إنها أسماءُ ذرِّيَّته وأسماءُ الملائكة، دون أسماء سائر أجناس الخلق؛ لأن الله تعالى قال: ]ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ[([2])، يعني بذلك أعيانَ المسمَّين بالأسماء التي علمها آدم، ولا تكادُ العرب تكني بالهاء والميم إلا عن أسماء بني آدم والملائكة.


7.   وقيل: إنه سبحانه علمه جميع الأسماء، والصناعات وعمارة الأرضين، والأطعمة والأدوية واستخراج المعادن، وغرس الأشجار ومنافعها، وجميع ما يتعلق بعمارة الدين والدنيا.


8.   وقال الطبرسي ان معنى ]وعلّم آدم الأسماء كلها[ هو: علّمه معاني الأسماء، إذ الأسماء بلا معان لا فائدة فيها، ولا وجه لإشارة الفضيلة بها. وقد نبه الله تعالى الملائكة على ما فيها من لطيف الحكمة، فأقرّوا عندما سألهم الله تعالى عنها، فأجابوا أنهم لا علم لهم بها، فطلب الله تعالى من آدم: ]يا آدم أنبئهم بأسمائهم[.


9.   وقيل: قوله تعالى ]وعلم آدم الأسماء كلها[ معناه المسميات التي تقع عليها هذه الأسماء بدليل قوله تعالى بعدها ]أنبئهم بأسمائهم[ فهل هي أسماء الأسماء أم أسماء المسميات؟  وعلى هذا جملة من المفسرين. 

 

·       هل اللغة توقيفية؟

     ثمة فرضية تحوم حول فكرة ان الاسماء التي تعلمها آدم ع هي اللغات، فإن الله تعالى علم آدم ع جميع اللغات، ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة، فتفرقوا في البلاد واختص كل فرقة منهم بلغة.

     فعلى هذا ستكون الآية الكريمة دليلا على أن اللغة مأخوذة توقيفا، وأن الله تعالى علّمها آدم عليه السلام جملة وتفصيلا .


    ولكن، هل يمكن القول بأن جميع الكلمات والجمل والعبارات والتراكيب اللغوية التي يستعملها الناس في كلامهم توقيفية؟ كيف يتصور ذلك والناس ما زالوا يستحدثون كثيرا من الاستعمالات والتعبيرات والجمل، ويستحدثون الألفاظ في بعض الأحيان؟


    بعض العلماء حاولوا التوفيق بين الأمرين فقالوا لا مانع إلى كون بعض اللغة توقيفي وبعضها اصطلاحي، وهو – برأيهم- الأقرب إلى الصواب. 

    ان توقيفية اللغة أو توفيقيتها ما زال البحث فيها غضا طريا لم يبتّ فيه العلماء والباحثون الى يومنا هذا.


    ويناسب القول هنا بأن اللغة قد تكون امتدادا لما قبلها من اللغات، تفرعت عن غيرها كأخواتها، وتفرع عنها ما نتكلم اليوم به، ومن هنا اختلفت الألسن من بلد عربي إلى آخر، فتوفيق اللغة من أصلها هو الراجح وما يظهر في القرآن الكريم.


آراء المفسرين المعاصرين:

    من المفسرين المعاصرين الشيخ محمد عبده، فيرى ان الأسماء تعني جميع الأشياء وجميع ما يتعلق بعمارة الدين والدنيا من غير تحديد ولا تعيين.


   ويتبنى هذا الرأي أيضا السيد محمد باقر الحكيم باعتبار انه ينسجم وواقع الانسان من جهة صحة التمييز به وتفضيله على الملائكة؛ لأنه يعبر عن خط التكامل الذي يمكن أن يسير به الإنسان ويتميز به على سائر المخلوقات .


    ويرى السيد حسين الحسيني بأن هذه الأسماء لم تكن تشبه علم المفردات، بل انها مرتبطة بفلسفة الأسماء وكيفياتها وأسرارها وخواصها. والله تعالى منح آدم عليه السلام هذا العلم لكي يتمكن من استثمار المواهب المادية والمعنوية في الكون على طريق تكامله. 

    والله تعالى منح آدم عليه السلام قابلية التسمية، ليستطيع أن يضع للأشياء أسماء، ويتحدث عن هذه الأشياء بذكر اسمها لا بإحضار عينها، وهذه تعدّ نعمة عظيمة، يمكننا إدراكها وتلمّسها من خلال العلوم البشرية التي تنقل عن طريق الكتب والمدونات، وما كان هذا التدوين مقدور لولا وضع الأسماء للأشياء وخواصها.

    من الواضح أن هذا الرأي يؤيد نظرية توقيفية اللغة ويفند توفيقيتها، فأساس اللغة يبدأ من آدم الخليفة الأول لله تعالى حيث منحه تعالى هذا العلم.

   أما صاحب الميزان فكان له رأي مغاير عما أوردناه في ماهية هذه الأسماء، إذ بيّن بأن قوله تعالى: ]وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم[، مُشعر بأن هذه الأسماء أو مسمياتها هم موجودات أحياء عقلاء، كانوا محجوبين تحت حجاب الغيب.

    ومسألة العلم بأسمائهم هو غير العلم الذي عندنا بأسماء الأشياء، وإلا فبإنباء آدم الملائكة بالأسماء صاروا عالمين حالهم حال آدم ومساوين معه، ولم يكن في ذلك اكرام لآدم ولا كرامة حيث علمه الله سبحانه أسماء ولم يعلمهم، ولو عملهم إياها كانوا مثل آدم أو أشرف منه، ولم يكن في ذلك ما يقنعهم أو يبطل حجتهم.


·       تفنيد نظرية اللغة:

    يفند صاحب الميزان العلامة الطباطبائي الرأي الذي يتبنى ان معنى الأسماء هي اللغات بالقول: وأي حجة تتم في أن يعلّم الله تعالى رجلا علم اللغة ثم يباهي به ويتم الحجة على ملائكة مكرمين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون بأن هذا خليفتي وقابل لكرامتي دونكم؟ ويقول تعالى أنبئوني باللغات التي سوف يضعها بنو آدم فيما بينهم للأفهام والتفهيم إن كنتم صادقين في دعواكم أو مسألتكم خلافتي!!


    وهنا لابد من الالتفات الى الملائكة ليس لها لغة كالبشر؛ لأن كمال اللغة هو المعرفة بمقاصد القلوب، والملائكة لا تحتاج فيها إلى التكلم، وانما تتلقى المقاصد من غير واسطة، وهذا يعدّ كمال لهم يفوق كمال التكلم.


    ويؤكد الطباطبائي نظريته حول كينونة الاسماء وأنها وجودات خارجية عينية محجوبة بحجاب غيبي، فالعلم بأسماء هؤلاء المسميات لابد أن يكون بحيث يكشف عن أعيان وجوداتهم وحقائقهم، من دون تكلّف نظرية الوضع اللغوي من اعطاء المفهوم، فهؤلاء المسميات المعلومة حقائق خارجية، ووجودات عالية عينية لكنها مستورة تحت ستر غيب السماوات والأرض.


    وقد أنزل الله تعالى كل اسم لعالم الدنيا بخيرها وبركتها واشتق كل ما في السماوات والأرض من نورها وبهائها، وأنهم على كثرتهم وتعددهم لا يتعددون تعدد الافراد، ولا يتفاوتون تفاوت الاشخاص، وانما يدور الامر هناك مدار المراتب و الدرجات، ونزول الاسم من عند هؤلاء انما هو بهذا القسم من النزول.


·       أول ما خلق الله ما هو؟

    يناسب المقام ذكر ما رواه العلامة المجلسي في البحار عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:

   قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله: أول شئ خلق الله ما هو؟ فقال نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير، ثم أقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله، ثم جعله أقساما، فخلق العرش من قسم، والكرسي من قسم، وحملة العرش وسكنة الكرسي من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاء الله.


    ثم جعله أقساما، فخلق القلم من قسم، واللوح من قسم، والجنة من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاء الله، ثم جعله أجزاء فخلق الملائكة من جزء، والشمس من جزء والقمر من جزء، وأقام القسم الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله.


    ثم جعله أجزاءً، فخلق العقل من جزء والعلم والحلم من جزء، والعصمة والتوفيق من جزء، وأقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء الله، ثم نظر إليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور وقطرت منه مائة ألف وأربعة وعشرون ألف قطرة، فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول، ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسها أرواح الأولياء والشهداء والصالحين.


·       لا تعارض بين الروايات:

   يحاول الطباطبائي الجمع بين الأقوال والآراء ، فبالرجوع إلى ما مر من البيان تعرف معنى هذه الروايات وان لا منافاة بين هذه وما تقدمها، إذ ان قوله تعالى: ]وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ[([3]) تعطي معنى أنه ما من شيء إلا وله في خزائن الغيب وجود، وإن هذه الأشياء التي قبلنا إنما وجدت بالنزول من هناك، وكل اسم وضع بحيال مسمى من هذه المسميات فهي اسم لما في خزائن الغيب.


    فسواء قيل: إن الله علم آدم ما في خزائن غيبه من الأشياء وهي غيب السماوات والأرض، أو قيل: إنه علم آدم أسماء كل شيء وهي غيب السماوات والأرض كان المؤدي والنتيجة واحدا.


·       روايات عن الإمام الصادق عليه السلام:  

روي عن الامام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال:

    إنّ الله تبارك وتعالى علّم آدم أسماء حججه حجج الله كلّها، ثمّ عرضهم وهم أرواحٌ على الملائكة، ]فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ[([4]) بأنكم أحقّ بالخلافة في الارض، لتسبيحكم وتقديسكم، من آدم ، ]قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[([5]) قال الله تعالى: ]يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ[([6]) فلّما أنبأهم بأسمائهم وقفوا على عظم منزلتهم عند الله عزّ ذكره، فعلموا أنهم أحقّ بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه، وحججه في بريّته..


    وروى فراتٌ الكوفيّ في تفسيره قول الامام الصادق عليه السلام: فلمّا خلق الله تعالى آدم، نظر اليهم (أي إلى محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين) صلوات الله عليهم عن يمين العرش، فقال: يا ربّ من هؤلاء؟ قال: يا آدم هؤلاء صفوتي وخاصّتي، خلقتهم من نور جلالي، وشققت لهم اسماً من أسمائي.


    قال آدم: يا رب، فبحقك عليهم علّمني أسمائهم، قال: يا آدم، فهم عندك أمانة، سرٌ من سّري لا يطّلع عليه غيرك إلا بإذني... فأخذ عليه العهد ثم علّمه أسماءهم، ثم عرضهم على الملائكة ولم يكن علّمهم بأسمائهم، فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين: قالوا: سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا، إنك انت العليم الحكيم، قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلّما أنبأهم علمت الملائكة أنه مستودعٌ، وأنه مفضّلٌ بالعلم، وأمروا بالسجود، إذ كانت سجدتهم لآدم تفضيلاً له وعبادة لله.


الدكتورة نهضة الشريفي


([1]) سورة البقرة: 31

([2]) سورة البقرة: 31

([3]) سورة الحجر: 21

([4]) سورة البقرة: 31

([5]) سورة البقرة: 32

([6]) سورة البقرة: 33

المصادر:

1.   بحار الأنوار – المجلسي

2.   تفسير القرآن العظيم – ابن كثير

3.   الجامع لأحكام القرآن – القرطبي

4.   جامع البيان – الطبري

5.   علوم القرآن – محمد باقر الحكيم

6.   مجمع البيان - الطبرسي

7.   معالم التنزيل – البغوي

8.   الميزان في تفسير القرآن – الطباطبائي

              

              من قصص الأنبياء اقرأ أيضا:

              الصبر عند نبي الله أيوب عليه السلام

                معجزة ولادة المسيح عليه السلام في القرآن

                    موقف الملائكة من خلافة آدم عليه السلام

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات