اتّبعوا الصراط المستقيم
إن الله سبحانه
وتعالى قرر في كلامه لنوع الانسان سبيلا يسلك به إليه سبحانه فقال: ]يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً
فَمُلَاقِيهِ[([1])، وقال أيضا: ]أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ[([2])، إلى غير ذلك من الآيات الكريمة، وهي واضحة الدلالة على ان الجميع سالكوا
سبيل، وانهم سائرون إلى الله سبحانه.
هل الصراط واحد أم متعدد؟
عندما نزلت الآية
الكريمة على النبي ص: ]وَأَنَّ هذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا
السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ[([3])، رسم خطّاً مستقيما وبجنبه خطوطاً أخرى، فالمستقيم هو صراط التوحيد الذي سلكه
الأنبياء والأولياء والصالحون، والخطوط الأخرى المعوجّة هي طرق أهل الضلال.
فمن مشى على
الصراط المستقيم يوم القيامة كان من المهتدين، أمّا من انحرف عن صراط التوحيد
فيُقال عنه بأنّه قد ضلّ، ومن هنا قال تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيمَ﴾، وجعل الهداية في قِبال من غضب عليه وضل سعيه في الحياة
الدنيا: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾.
فليس السبيل
سبيلا واحدا ذا نعت واحد بل هو منشعب إلى شعبتين منقسم إلى طريقين، فقال تعالى: ]أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ
مُّسْتَقِيمٌ[([4]).
إنّ كلّ صراط
يسلكه أفراد البشر في الدنيا لابدّ أن يؤدّي بصاحبه إلى لقاء الله عز وجل،
والفارق العظيم هو أنّ الصراط المستقيم يؤدّي بسالكه إلى لقاء الله في مظهر
الاسم (الرحمن، الرحيم)، الموصل إلى جنّات النعيم، والصراط الملتوي المعوجّ
يسوق أهله إلى لقاء الله في مظهر الاسم (القهّار، المنتقم، الجبّار)، حيث
يستقرّ أصحاب هذا الطريق في الدرك الأسفل من النار.
إذن فهناك طريق
مستقيم وطريق آخر متعرج ملتو، طريق قريب وطريق بعيد، كما هو بيّنٌ من الآية
الكريمة: ] وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ
إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ
يَرْشُدُونَ[([5]).
والآية الكريمة: ] ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي
سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[([6])، فبيّن تعالى: انه قريب من عباده وان الطريق الاقرب إليه تعالى طريق عبادته
ودعائه.
ثم وصف تعالى الذين لا يؤمنون: ] أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ[([7])، فبيّن: ان سبيل الذين لا يؤمنون ومسيرهم بعيدة.
اتضح إذن ان السبيل إلى الله سبيلان:
-
سبيل قريب وهو سبيل المؤمنين
-
وسبيل بعيد وهو سبيل غير المؤمنين
اختلاف السبيل من منظور آخر:
هناك نحو آخر من
الاختلاف في السبيل تتضح من خلال الآيات الكريمة:
1. ابواب السماء تغلق في وجوه المكذبين والمستكبرين:
في قوله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ
تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ...[([8])، قال العلامة محمد جواد مغنية: وقوله ]لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ[ كناية عن رفض أعمالهم ، وانها
لا تقبل منهم كما تقبل أعمال الصالحين ، قال تعالى ]إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ والْعَمَلُ الصَّالِحُ
يَرْفَعُهُ[([9]).
وقال صاحب
الميزان: والذي نفاه الله تعالى
من تفتيح أبواب السماء مطلق في نفسه، يشمل الفتح لولوج أدعيتهم وصعود أعمالهم
ودخول أرواحهم غير أن تعقيبه بقوله : ]وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ[، كالقرينة على أن المراد نفي
أن يفتح بابها لدخولهم الجنة فإن ظاهر كلامه سبحانه أن الجنة في السماء، كما هو
في قوله تعالى ]وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ[([10]).
وجاء في تفسير
الامثل : من الممكن أن يكون المقصود من السماء هنا معناه الظاهر ، وكذا يمكن أن
تكون كناية عن مقام القرب الإلهي ، كما نقرأ في الآية التاسعة من سورة فاطر ]إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ
يَرْفَعُهُ[ .
2. الهوي والسقوط الى السفل:
قال تعالى: ] وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ
غَضَبِي فَقَدْ هَوَى[([11]).
عن الطاهر بن
عاشور في التحرير والتنوير أن (هوى) بمعنى : سقط من علو، وقد استعير هنا للهلاك
الذي لا نهوض بعده، كما قالوا: هوت أمه، دعاء عليه، وكما يقال: ويل أمه، ومنه: ]فأمه هاوية[ ، فأريد هوي مخصوص ، وهو
الهوي من جبل أو سطح بقرينة التهديد.
وجاء في الميزان:
وقوله ] وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى[ أي سقط من الهوي بمعنى
السقوط، وفسّر بالهلاك.
وفي تفسير
الأمثل: (هوى) في الأصل بمعنى السقوط من المكان المرتفع، والذّى تكون نتيجته
الهلاك عادة، إضافة إلى أنّه هنا إشارة إلى السقوط الرتبي و البعد عن قرب اللّه
تعالى، والطرد من رحمته.
وقيل: الهوي من
الشقاء، فيكون المعنى (فقد شقي).
3.
الضلال عن سواء السبيل:
قال تعالى: ]وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء
السَّبِيلِ[([12])
وهو طريق آخر آخذ في السفالة والانحدار.
وعند ذلك تقسّم
الناس في طرقهم ثلاثة اقسام:
·
مَن طريقه إلى فوق وهم الذين يؤمنون بآيات الله ولا يستكبرون عن عبادته.
·
ومَن طريقه إلى السفل، وهم المغضوب عليهم.
·
ومن ضلّ الطريق وهو حيران فيه، وهم الضالون.
وهذه الطرق
الثلاثة متجسدة في قوله تعالى: ] صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ
الضَّالِّينَ[، والصراط المستقيم قطعا ليس
كالطريقين الآخرين: طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين، فهو الطريق الاول الذي
هو طريق المؤمنين غير المستكبرين.
ونفس الطريق
الاول ايضا فيه درجات، متمثلة في قوله تعالى: ] يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
دَرَجَاتٍ[([13]).
الدكتورة نهضة الشريفي
المصادر:
1) محاضرة صوتية عن الصراط - السيد كمال الحيدري
2) الميزان - الطباطبائي
3) تفسير الأمثل - ناصر مكارم الشيرازي
4) التحرير والتنوير - الطاهر بن عاشور
5) الصراط - موقع ويكي شيعة
6) تفسير الجلالين
حول الموضوع انظر أيضا:
تعليقات
إرسال تعليق