القائمة الرئيسية

الصفحات

 

الصراط المستقيم والسبيل


الصراط المستقيم والسبيل

   ما هو الصراط المستقيم؟ وما الفرق بينه وبين السبيل؟ وهل الصراط واحد أم هو متكثر بحسب الأبعاد الزمكانية؟

    بينّا في مبحث سابق تعريف الصراط لغويا وقرآنيا، والأسلوب القرآني في وصفه للصراط بأنه مستقيم وأنه سويّ, وفي هذا المبحث سنقف عند الفرق بين الصراط المستقيم والسبيل، ونرى نسبة الصراط هل هو إلى الله مطلقا، أم يمكن نسبته إلى غير الله تعالى؟


الفرق بين الصراط المستقيم والسبيل:

    في بيان الفرق بين الصراط المستقيم والسبيل يوجد اتجاهان:

الأول: 

    ان الصراط المستقيم هو الطريق الكبير الواسع اما السبل فهي الطرق الفرعية التي تنتهي الى الصراط المستقيم.

الثاني: 

    ان الصراط المستقيم هو مجموع هذه السبل، فالله تعالى بيّن من خلال الآيات المباركة ما هي صفات وخصائص الصراط المستقيم، وهذه الصفات بعضها يرجع الى مقام العمل وبعضها يرجع الى مقام العلم بالله تعالى، فإذا اجتمعت في طريق فهو الصراط المستقيم.


    أما إذا لم تجتمع هذه الصفات علما وعملا في الطريق المؤدي الى الله تعالى بل كان في ذلك الطريق بعض هذه الصفات دون البعض الآخر فعندئذ يسمى هذا الطريق سبيلا ولا يسمى صراطا.

    فاذا كان العلم والعمل مشوبا بالنقص، أطلق على ذلك الطريق سبيلا، وإلا فهو الصراط المستقيم.


    من هنا، وباعتبار هذا الاتجاه الأخير، يمكن القول ان الصراط المستقيم موجود في كل السبل المؤدية الى الله باعتبار انها تنتهي جميعا الى الله ] يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيه[([1]) فهذه السبل تنهي الى الله تعالى.


    ولكن هذه السبل لا تنهيهم الى درجة واحدة، بل درجات مختلفة؛ لأن معارف الإنسان وأعماله التي توصل الإنسان الى الله قد توصله الى الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة، فالجنة لها درجات وهذه السبل توصل الى الجنة، ولكن السبيل الأول يوصل الى الدرجة الأولى من الجنة، والثاني الى الثانية، وهكذا... الى ان نصل الى سبيل يوصلنا الى أعلى درجات القرب الإلهي وذاك هو الصراط المستقيم.


    إذن هذه الطرق هي أيضا صراط، ولكن ليس فيها كل خصائص الصراط المستقيم بل بعضها، وهذا معنى أن السبيل قد يشوبه نقص من حيث العلم أو العمل أو كلاهما.


    وهذا بخلاف الصراط المستقيم فانه سبيل خالص يوصل الانسان الى الله بلا قيد أو شرط وهو السبيل المنزه عن كل خلل علما وعملا، فبمقدار ما يتضمنه السبيل من خصائص الصراط المستقيم يوصلك الى الله.


    عن الإمام علي عليه السلام: (( اليمين والشمال مَضَلّة، والطريق الوسطى هي الجادّة: عليها باقي الكتاب وآثار النبوّة، ومنها مَنفَذ السنّة، وإليها مصير العاقبة)).



هل يمكن نسبة الصراط إلى غير الله؟

    الى من ينسب الصراط؟ سوف نتبين نسبة الصراط من خلال استقراء الآيات القرآنية، هل هو الى الله مطلقا أم يجوز نسبته الى غير الله تعالى:


1.   نسبة الصراط الى الله تعالى:

    قد ينسب الصراط الى أسمائه الحسنى كما في قوله تعالى: ]وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ[([2])، وهنا معنى جميل يتضح من سياق الآية الكريمة، فصراط الحميد إن هو إلا الطيّب من القول، وبتعبير آخر هو الكلمة الطيبة التي يطلقها الإنسان في وجه أخيه الإنسان، فإن فعل فهو على الصراط المستقيم ، فما أيسر ديننا وما أسمحه!!!

    ونُسب الصراط إلى اسم آخر من أسمائه تعالى وهو العزيز، في قوله تعالى: ]وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ[([3]).


    وقد ينسب الصراط الى لفظ الجلالة (الله) الجامع لكل أسمائه الحسنى، في قوله تعالى ]صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ[([4])، واللافت أن هذه الآية جاءت بمثابة تعريف للصراط المستقيم، وبيان عظمة الله تعالى وقدرته، خالق الخلق أجمعين، إذ سبقتها عبارة تخاطب النبي محمد ص ]وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[([5])، فالصراط المستقيم هو صراط الله الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما.


    وقد ينسب الصراط المستقيم اليه تعالى بالضمير، كما في قوله تعالى بضمير المتكلم: ]وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ[([6]) وبضمير المخاطب في حوار الشيطان الرجيم مع الله تعالى: ]قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ[([7]).


2.   نسبة الصراط الى الجحيم:

    وذلك في الآية الكريمة: ]احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ[([8])، قال الطباطبائي: وقوله ]فاهدوهم إلى صراط الجحيم[، الجحيم من أسماء جهنم في القرآن، وهو من الجحمة بمعنى شدة تأجج النار على ما ذكره الراغب، والمراد بهدايتهم إلى صراطها إيصالهم إليه وإيقاعهم فيه بالسَوق، وقيل: تسمية ذلك بالهداية من الاستهزاء.


    وقال صاحب مجمع البيان: إنما عبر عن ذلك بالهداية من حيث كان بدلا من الهداية إلى الجنة كقوله تعالى: ]فبشرهم بعذاب أليم[ من حيث إن هذه البشارة وقعت لهم بدلا من البشارة بالنعيم.


    وفي تفسير الأمثل قال: والملاحظ في الآية استخدامها عبارة ]فاهدوهم إلى صراط الجحيم[، حقّاً كم هذه العبارة عجيبة؟ ففي أحد الأيّام اُرشدوا إلى الصراط المستقيم ولكنّهم لم يقبلوه، واليوم يجب أن يهدوا إلى صراط الجحيم، وهم مجبرون على القبول به، وهذا توبيخ عنيف لهم يجعلهم يتحرّقون ألماً في أعماقهم.


الدكتورة نهضة الشريفي




([1]) سورة الانشقاق: 6

([2]) سورة الحج: 24

([3]) سورة سبأ: 6

([4]) سورة الشورى: 53

([5]) سورة الشورى: 52

([6]) سورة الأنعام: 153

([7]) سورة الأعراف: 16

([8]) سورة الصافات: 23


المصادر:

1)   المفردات في غريب القرآن - الراغب الأصفهاني

2)   مجمع البيان – الطبرسي

3)   محاضرة صوتية عن الصراط - السيد كمال الحيدري

4)   تفسير الميزان -  الطباطبائي

5)   تفسير الأمثل - ناصر مكارم الشيرازي

        

   حول الموضوع انظر أيضا:

        بحث في مفهوم الصراط المستقيم

        اتّبعوا الصراط المستقيم

        حقيقة الصراط المستقيم

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات