القائمة الرئيسية

الصفحات


بحث في مفهوم الصراط المستقيم

 

بحث في مفهوم الصراط المستقيم

     ما مفهوم الصراط؟ ولماذا وصف بالمستقيم؟ وهل هو صراط واحد أم متعدد؟

    الصراط المستقيم تعبير جاء في القرآن الكريم في وصف موقف من مواقف القيامة، ووفقاً للروايات، يُراد به جسر فوق جهنم، أدق من الشعرة وأحدّ من السيف، يمرّ عليه الناس بعد مرحلة من مراحل الحساب، وثمة مواقف على الصراط يُسأل الإنسان فيها عن عقيدته وأعماله ويحاسب عليها.


    في هذا المبحث سنقف عند تعريف الصراط لغويا وقرآنيا، مع بيان الأسلوب القرآني في وصفه للصراط, ولنا وقفات تفصيلية أخرى في مباحث أخرى فصلنا الإجابة فيها عن كثير من التساؤلات المتعلقة بالفرق بين الصراط والسبيل، وبيان ماهية الصراط وفلسفته.


أولا: تعريف الصراط في اللغة

    الصراط في اللغة: الطريق، وهو من مادة (صرط) و(سرط)، قال ابن منظور في لسان العرب: الصراط, والسراط, والزراط, الطريق.


    وقال الزبيدي في تاج العروس: السراط بالكسر: السبيل الواضح، وبه فسر قوله تعالى: ]اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ[([1])، أي ثبتنا على المنهاج الواضح.


    وفي (التصاريف) عن يحيى بن سلام: الصراط على وجهين:

1.    الطريق: وذلك في قوله ]وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ توعِدون[([2])  يعني بكل طريق.

2.    الدين: وذلك في قوله تعالى:  ]اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ[  يعني الدين المستقيم.


    وعن الراغب الأصفهاني في (المفردات): السراطُ الطريقُ المُستسهلُ، وأصلهُ مِنْ سرطتُ الطعَامُ وزردته "ابتلعته" فقيل سراط، تصوراً أنه يبتلعهُ سالكهُ أو يبتلعُ سالكهُ. وعنه أيضاً: الصرَاطُ الطريقُ المستقيم.


    وفي (تصحيح الاعتقاد) قال الشيخ المفيد: أن الصراط هو الطريق، فلذلك سمِّي الدين صراطاً لأنّه طريق إلى الصواب، وله سمِّي الولاء لأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام من ذرًيته صراطاً.



ثانيا: التعريف القرآني للصراط المستقيم

ما هو الصراط المستقيم؟

    أوضح تعريف للصراط المستقيم وأدقّه هو التعريف القرآني المتمثل بالآية السابعة من سورة الفاتحة: ]صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ[([3])، التي جاءت بعد توجه العباد الى ربهم والدعاء وطلب الهداية: ]اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ[([4])، فبيّن أنه مختص بالذين أنعم عليهم.


من هم الذين أنعم عليهم الله تعالى؟

    ورد تشخيص مصاديق الذين أنعم الله تعالى عليهم في الآيات الكريمة الآتية:

قوله تعالى: ]أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً[([5]).

وقوله تعالى: ]وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً[([6]).


    فتبيّن على وفق هذه الآيات الكريمة أن المهتدون الى الصراط المستقيم والمنعّمون بنعم الله تعالى وهدايته هم:

1.   الأنبياء من ذرية آدم ع

2.   المؤمنون لشريعة نوح ع الذين ركبوا السفينة معه

3.   المؤمنون من ذرية إِبْرَاهِيمَ ويعقوب ع

4.   الشهداء

5.   الصدّيقون

6.   الصالحون الذين هداهم الله واجتباهم

7.   وكل من يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ على مر الأزمان وتعاقب الأجيال فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم


ثالثا: وصف الصراط

    جاء وصف الصراط في القرآن الكريم بوصفَي المستقيم والسوي، وسنقف عند كليهما إجمالا:


1.   وصف الصراط بالمستقيم:

    وهذا ما عليه جلّ آيات الصراط البالغ عددها خمس وأربعين آية، مبثوثة بين ثنايا آيات الله تعالى، وبهذا الوصف يفتتح القرآن الكريم أول آية من آيات الصراط، وهي الآية السادسة من فاتحة الكتاب ]اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ[.


    ويكشف في الآية التي تليها مباشرة السرّ العميق والكنز الدفين من وجوده وانكشافه للبشرية، إذ يبين ماهية الصراط المستقيم، وانه طوق نجاة الأمة من الغرق في مستنقع الدنيا الدنيّة، وأنه صراط الذين أنعم الله عليهم، وسنقف عند هذا المعنى مفصلا في مطلب لاحق.


    ومن الآيات الأخرى قوله تعالى ] يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[([7])، ]إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ[([8])، وغيرها من الآيات الكريمة.


2.   وصف الصراط بالسويّ:

    يتمثل ذلك في قوله تعالى: ]أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[([9]) فوصفَ الصراط المستقيم بالسويّ، والمعنى بحسب تفسير الجلالين: أفمن يمشي مكبا واقعا على وجهه أهدى؟ أم من يمشي سويا معتدلا على طريق مستقيم، والخبر من الثانية محذوف دل عليه خبر الأولى، أي أهدى، والمثل في المؤمن والكافر أيهما على هدى.


    وثمة آيات كثيرة جسّدت هذا الوصف، منها قوله تعالى: ]وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ[([10])، ]فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً[([11])، ]فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ[([12]).


الدكتورة نهضة الشريفي

 


([1]) سورة الفاتحة: 6

([2]) سورة الأعراف: 86

([3]) سورة الفاتحة: 7

([4]) سورة الفاتحة: 6

([5]) سورة مريم: 58

([6]) سورة النساء: 69

([7]) سورة البقرة: 142

([8]) سورة آل عمران: 51

([9]) سورة الملك: 22

([10]) سورة ص: 22

([11]) سورة مريم: 43

([12]) سورة طه: 135


المصادر:

1)   لسان العرب - ابن منظور

2)   تاج العروس - الزبيدي

3)   التصاريف - يحيى بن سلام

4)   المفردات في غريب القرآن - الراغب الأصفهاني

5)   تصحيح الاعتقاد - الشيخ المفيد


  حول الموضوع انظر أيضا:

         حقيقة الصراط المستقيم

         الصراط المستقيم والسبيل

         اتّبعوا الصراط المستقيم

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات