القائمة الرئيسية

الصفحات

الظاهرة القرآنية في منظور الجابري - الجزء الأول



الظاهرة القرآنية في منظور الجابري - الجزء الأول



الظاهرة القرآنية في منظور الجابري

الجزء الأول



    تناول المفكر المغربي محمد عابد الجابري مصطلح الظاهرة القرآنية في كتابه " مدخل إلى القرآن"، مسبغا على دلالتها طابع الشمولية، إذ يرى انها (ليس فقط "القرآن" كما يتحدث عن نفسه... بل ندرج فيها أيضا مختلف الموضوعات التي تطرق اليها المسلمون وانواع الفهم والتصورات العامة التي شيدوها لأنفسهم قصد الاقتراب من مضامينه ومقاصده)([1]) .

بيان ماهيّة الظاهرة القرآنية:

    لطالما تحدّث القرآن الكريم عن نفسه في كثير من آياته الكريمة وعرّف نفسه بأنه تنزيل من رب العالمين على قلب الرسول الأكرم محمد(ص) , ومن هذه الآيات ما جاء في قوله تعالى)وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ(([2]) .

    فوجد الجابري أن هذه الآيات الكريمات تعدّ بمثابة تعريف قرآني للقرآن وتوصيف للظاهرة القرآنية وبيان لماهيتها , وذلك ضمن المسارات الآتية([3]):

-  المصدر السماوي المقدس للقرآن)وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( .        
- الواسطة الوحيانية المسؤولة عن توصيل كلام الله تعالى )نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ( وهو جبريلC .
- المتلقي الرسول )عَلَى قَلْبِكَ( قلب النبي محمد(ص) .
- الغاية العظمى ومسؤولية المتلقي: الإنذار )لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ( .
- الوسيلة الإفهامية وتوصيل الدلالات بتوسط لغة القوم )بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ( .

    أما الموضوعات التي تطرق اليها المسلمون والتصورات العامة التي بنوها والتي أدرجها الجابري في تعريفه للظاهرة القرآنية فهي مجمل التفاسير والعلوم والبحوث التي دأب العلماء في تأليفها بشأن القرآن على مر العصور .

الظاهرة القرآنية والموروث التفسيري:

    إن التوسّع الذي أجراه الجابري في نطاق مفهوم الظاهرة القرآنية، بإدراجه النتاج البشري التفسيري ضمنها, مشوب بالمبالغة والتعميم, ولا يسوغ هذا الخلط بين القرآن كظاهرة وبين تفسير العلماء له تحت مسمى واحد هو "الظاهرة القرآنية" , وذلك لأسباب عدّة , منها :

1.  إن الموروث التفسيري ليس القرآن بل شرح له , فالموروث يعبر عن الفهم البشري لكلام الله تعالى .

2.  إن الموروث التفسيري فرع عن الأصل وعيال عليه وتبع له , أما الظاهرة القرآنية فمختصة بالأصل, بالتنزيل القرآني, بالخطاب الوحياني.

3.  ما دام انه نتاج بشري فهو قاصر عن ادراك الحق مهما تعددت الافهام واجتهدت الآراء, لكن الظاهرة القرآنية بما انها إلهية المصدر فهي تعبّر عن الحق لصدورها عن الحق تعالى .

4.   إن الموروث التفسيري متعدد ومتغير ومتنوع بتنوع المناهج والاتجاهات ويصدر عن عقول متباينة في الادراك والاستيعاب والفهم والتحليل , أما الظاهرة القرآنية فهي واحدة لا تعدد فيها لأنها صادرة عن واحد أحد لا شريك له .

5.  لا يصح بشأنه التبجيل والتقديس لأنه نسيج إدراكات البشر القاصر بطبعه عن الوصول الى الكمالات القصوى , أما الظاهرة القرآنية فيليق بشأنها التقديس والتبجيل؛ لأنها منتمية الى المطلق الكامل جل جلاله.



    وفي آفاق توسعه هذا - أي دمجه النتاج التفسيري البشري - تحمّلت الظاهرة القرآنية مسارين بلحاظ المتلقي ورتبته المعرفية :

الأول : الوحي القرآني أوان نزوله وتنزّله آنا بعد آن على قلب النبي الخاتم(ص) وهو "المتلقي الأول" المباشر والمستلم للأصل .

والآخر : فهم الوحي القرآني بعد نزوله على مدى العصور جيلا بعد جيل من قبل العلماء والباحثين الذين يمثلون "المتلقي الثاني" .

    وفرق كبير بين أصل الوحي القرآني وبين فهم الناس له, إذ تتوزع الأفهام والاجتهادات في المحتوى القرآني بحسب إدراك المتلقي ومدى استيعابه .

أسئلة الكون والتكوين:

    وأما أسئلة الكون والتكوين – بحسب تعبير الجابري - فهي (غير أسئلة الأصل, لأن الأصل هنا وحي, والوحي ينتمي الى منطقة التسليم والإيمان وليس الى ميدان البحث والبرهان)([4]) .

    ومن الواضح ان المقصود هنا ما يتعلق بأفهام الناس , وتتوالد منها اسئلة ما حول القرآن بما يطلق عليه العلماء قديما وحديثا "علوم القرآن" , فهي دعوة الى تجديد طرح كثير من الأسئلة القديمة وفسح المجال لأسئلة أخرى قد تنبثق من اهتمامات عصرنا الفكرية والمنهجية.

    وذلك لأنه (بغير تجديد التفكير في الأسئلة القديمة وطرح أخرى جديدة لن يتأتى لنا الارتفاع بمستوى فهمنا للظاهرة القرآنية الى الدرجة التي تجعلنا معاصرين لها وتجعلها معاصرة لنا)([5]), ولا ريب ان طرح الأسئلة والبحث عن الإجابة عنها ضمن الضوابط العقلانية ظاهرة صحية تقدمية تنعش روح المجتمع.

الدكتورة نهضة الشريفي

 الهوامش:



([1]) مدخل الى القرآن, محمد عابد الجابري, مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت– لبنان, ط1 – 2006م: 23
([2]) سورة الشعراء : 192 - 196
([3]) ظ مدخل الى القرآن : 24
([4]) مدخل الى القرآن , الجابري : 22 , والجابري هنا يركز - مثله مثل كثير من المفكرين المعاصرين - على مسألة ان الوحي والقرآن لا يحتاج الى برهان وإعمال العقل والتنقيب عن الحجج والأدلة للإيمان به , ويكفي المؤمن فقط التسليم والاطمئنان , والأمر غير ذلك تماما، إذ يحتاج الإيمان في الرتبة الثانية منه الى إثبات، والقرآن نفسه في آيات كثيرة يدعو الى التدبر والتفكر وإعمال العقل.
([5]) م . ن : 23

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  1. أرجو التصحيح، فالمفكر محمد الجابري هو مغربي وليس جزائري. ..

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك أخي الفاضل على تنبيهي .. فعلا الجابري مغربي الأصل وليس جزائريا

      حذف

إرسال تعليق

التنقل السريع في المحتويات