القائمة الرئيسية

الصفحات


الصــــــــدق أشرف الفضائل الخلقية



الصــــــــدق أشرف الفضائل الخلقية

الصدق في الكتاب والسنة :

    الصدق أشرف الفضائل الخلقية، ورئيس الصفات النفسية، وضده الكذب. وما ورد في مدحه وعظم فائدته من الآيات والأخبار مما لا يمكن إحصاؤه، قال الله سبحانه  ]رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه‏[ , وقال] اتقوا الله و كونوا مع الصادقين[ وقال: ]الصابرين‏ والصادقين و القانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار[  .

    وقال رسول الله(ص) ((تقبلوا الي بستّ اتقبل لكم بالجنة: اذا حدّث أحدكم فلا يكذب، واذا وعد فلا يخلف، واذا ائتمن فلا يخن , وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، واحفظوا فروجكم‏)) .

    وعن الصادق(ع) (( لا تنظروا الى طول ركوع الرجل وسجوده، فان ذلك شيء اعتاده، ولو تركه لاستوحش لذلك، ولكن انظروا الى صدق حديثه واداء أمانته ‏)) .

أنواع الصدق :   

    الصدق له أنواع ستة:

الأول- الصدق في القول:

    وهو الإخبار عن الأشياء على ما هي عليه، وكمال هذا النوع بترك المعاريض من دون ضرورة، حذرا من تفهيم الخلاف وكسب القلب صورة كاذبة ، ورعاية معناه في ألفاظه التي يناجي بها الله سبحانه، فمن قال: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الارض‏» وفي قلبه سواه، او قال: «اياك نعبد» و هو يعبد الدنيا بتقيد قلبه بها، اذ كل من تقيد قلبه بشيء فهو عبد له، كما دلت عليه الأخبار، فهو كاذب.

الثاني- الصدق في النية :

    ويرجع ذلك الى الإخلاص، وهو تمحيض النية وتخليصها لله، بألاّ يكون له باعث في طاعاته، بل في جميع حركاته و سكناته، الّا الله.  فالشوب يبطله ويكذّب صاحبه.

الثالث- الصدق في العزم :

    فان الانسان قد يقدم العزم على العمل، و يقول في نفسه: ان رزقني الله كذا تصدقت منه كذا، و ان خلصني الله من تلك البلية فعلت كذا. فان كان في باطنه جازما على هذا العزم، مصمما على العمل بمقتضاه، فعزمه صادق، و ان كان في عزمه نوع ميل و ضعف و تردد، كان عزمه كاذبا، اذ التردد في العزيمة يضاد الصدق فيها .

الرابع- الصدق في الوفاء بالعزم:

    فان النفس قد تسخو بالعزم في الحال، اذ لا مشقة في الوعد، فاذا حان حين العمل بمقتضاه، هاجت الشهوات وتعارضت مع باعث الدين، وربما غلبته بحيث انحلت العزيمة ولم يتفق الوفاء بمتعلق الوعد، وهذا يضاد الصدق فيه، ولذلك قال الله سبحانه ]رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه[ .



الخامس- الصدق في العمل:

    وهو تطابق الباطن والظاهر واستواء السريرة والعلانية، او كون الباطن خيرا من الظاهر، بألاّ تدل أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به، وهذا اعلى مراتب الإخلاص، لأنه من الممكن تحقق نوع من الإخلاص بما دون ذلك، وهو ان يخالف الباطن الظاهر من دون قصد، فان ذلك ليس رياء فلا يمتنع صدق اسم الإخلاص عليه.

    وتوضيح ذلك: ان الرياء هو ان تقصد غير الله سبحانه في الاعمال , ولكن قد تصدر عن إنسان أعمال ظاهرة تدل على انه صاحب فضيلة باطنة، من التوجه الى الله ، او السكينة والوقار، او التسليم والرضا وغير ذلك، مع انه فاقد لها، من دون ان يقصد بها مشاهدة غيره سبحانه، فهذا غير صادق في عمله، كاذب في دلالة الظاهر على الباطن وان لم يكن مرائيا ولا ملتفتا الى الخلق، فمخالفة الظاهر للباطن ان كانت من قصد سميت رياء، ويفوت بها الإخلاص، وان كانت من غير قصد سميت كذبا ويفوت بها الصدق، وربما لم يفت‏ بها بعض مراتب الاخلاص. 
  
    ومن جملة هذا الصدق: موافقة القول الفعل، فلا يقول ما لا يفعل ولا يأمر بما لا يعمل. فمن وعظ و لم يتعظ في نفسه كان كاذبا. و من هنا قال امير المؤمنين(ع) ((إني والله ما أحثكم على طاعة الا وأسبقكم اليها، ولا انهاكم عن معصية الا واتناهى قبلكم عنها)) .

السادس- الصدق في مقامات الدين:

    من الصبر والشكر، والتوكل والحب، والرجاء، والخوف، والزهد، والتعظيم، والرضا، والتسليم، وغير ذلك. وهو أعلى درجات الصدق وأعزها، فمن اتصف بحقائق هذه المقامات ولوازمها وآثارها وغاياتها فهو الصدّيق الحق، ومن كان له فيها مجرد ما يطلق عليه الاسم دون اتصافه بحقائقها وآثارها وغاياتها فهو كاذب فيها.

    أما ترى أن من خاف سلطانا او غيره كيف يصفرّ لونه ويتعذر عليه أكله ونومه ويتنغص عليه عيشه ويتفرق عليه فكره وترتعد فرائصه وتتزلزل أركانه وجوانبه ؟ وقد ينزح عن وطنه ويفترق عن أهله وولده، فيستبدل بالأنس الوحشة، وبالراحة التعب والمشقة، فيتعرض للأخطار ويختار مشقة الأسفار ، كل ذلك من درك المحذور. فمثل هذا الخوف هو الخوف الصادق المحقق.

    ثم ان من يدعى الخوف من الله او من النار ولا يظهر عليه شي‏ء من ذلك عند إرادة المعصية وصدورها عنه، فخوفه خوف كاذب، قال النبي(ص) ((لم أر مثل النار نامَ هاربها، ولم أر مثل الجنة نامَ طالبها .((

    واختلاف الناس في مراتب الخوف والتعظيم والحب والأنس إنما هو بحسب اختلافهم في معرفة الله، وليس يمكن ان يوجد من بلغ غايتها، فاختلاف الناس انما هو في القدر الذي يمكن ان يبلغ اليه، فالصادق في جميع المقامات عزيز جدا

    ومن علامات هذا الصدق: كتمان المصائب والطاعات جميعا، وكراهة اطلاع الخلق عليها .

الدكتورة نهضة الشريفي

المصدر:
 جامع السعادات
 للعلّامة محمد مهدي النراقي




هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات