القائمة الرئيسية

الصفحات

 

القرآن كتاب هداية

القرآن كتاب هداية

    هل القرآن كتاب هداية فحسب؟ أم هو أكبر من ذلك وأشمل؟

    ذكرنا في بحث سابق أن الباحثين انقسموا على فئتين، فئة تقول أن القرآن كتاب علمي صرف ، وحاولت اثبات ذلك من خلال تفسيرها للآيات العلمية، والاستدلال بآيات تثبت هذا المعنى ، كما في الآية الكريمة )... تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ...([1] ، والآية الكريمة  )مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ( [2].

    أما الفئة الأخرى فقد اعتقدت ان القرآن الكريم كتاب هداية للبشرية فحسب ، ونحن في هذا المبحث سنقف عند هذه الفئة التي تتبنى نظرية ان الغرض الأساس من القرآن الكريم هو الهداية والإرشاد وتربية المجتمع على القيم الأخلاقية النبيلة، ووجود جملة من الآيات العلمية في سورهِ لا ينفي كونه في أصل غرضه كتاب هداية ، ولا يخرجه من هذا الهدف الأسمى .

القرآن الكتاب الهادي والمرشد للبشرية : 

     قال النابلسي في كتابه " التفسير المطول" : " ... كتاب الله سبحانه وتعالى كتاب هداية , لذلك من أجل ان تتوضح الحقائق , وتترسخ المعاني , وان يتعظ الإنسان وان يهتدي به ربما جاء المعنى الواحد في المواضع المتعددة ,....., قد يقول قائل : لماذا لا نصنف آيات القرآن تصنيفاً موضوعياً ؟ فالآيات الشرعية في فصل , وآيات القصص في فصل آخر الى آخره , هذا قول ساذج لأن القرآن ليس كتابا علميا يحتاج الى تبويب وتقسيم ,إنه كتاب هداية "[3] .

    ويكمل قائلاً : " هذه النفس البشرية تأتي بعض الآيات فتصف لها عظمة الله سبحانه وتعالى , وآيات تقص عليها احوال الذين عرفوا الله , وكيف أكرمهم الله في الدنيا والآخرة , ثم الذين اعرضوا عن الله عز وجل , ثم طريق الإيمان بالله عز وجل , فهناك حركة نفسية , وهناك تموّج نفسي لابد من آية كونية تعظم به المولى جلّ وعلا , ولابد من قصة تجسد بها هذه القيم , ولابد من تحذير يبيّن لك مغبة الانحراف عن كتاب الله "[4]  .

   " فالقرآن الكريم فيه تنويع, آيات كونية , مشاهد يوم القيامة , قصص , عبر , أمثال , تشريعات , قوانين  , ومبادئ , فالذي يقول : ليت القرآن قد بوّب أو جمعت موضوعاته بحسب أنواعها , فالجواب : لا , لأن القرآن الكريم كتاب هداية ..."[5] .

   كما انهم قالو في الآية الكريمة : ) مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ( انها ترتبط بالفرائض والعبادات وان " الكتاب " يقصد به في الآية اللوح المحفوظ [6].

   وناقش د . مهدي كلشني براهين العلماء المتأخرين الذين تبنّوا هذه الرؤية، فقال[7] :

1) لا يصح ان نؤوّل الكلمات القرآنية بشكل بحيث تصبح غير واضحة المعنى للعرب المعاصرين للرسول الكريم (ص) .

2)  لم ينزل القرآن الكريم لتعليم العلم والتكنولوجيا بل هو كتاب هداية والآيات التي تتحدث عن العلوم الطبيعية انما جاءت لترغيب البشر في كشف اسرار الطبيعة فمعنى هذه الآية ) مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ(  وأمثالها وهو ان القرآن يشمل كل الأشياء التي تعدّ ضرورية لهدايتنا وسعادتنا .

3)  العلم لم يصل الى نهايته لذا لا يجوز تطبيق القرآن على النظريات التي تتغير بسرعة , فبعض النظريات تكون مقبولة حيناً ومن ثم تنسخها نظريه أخرى أكمل منها " .

    ثم قال : " لم يبحث ابدا اساطين العلماء امثال ابن سينا , والبيروني وابن الهيثم والخواجة نصير الدين الطوسي عن الصيغ والمعادلات العلمية في القرآن مع ان اعتقادهم به كان قوياً وعلمهم به كان كثيراً , فتطبيق القرآن على النظريات العلمية المتغيرة تعرض الحقائق القرآنية للآراء غير الصحيحة وتفتح الطريق للتأويل الخاطئ "[8]

ثم أورد برهاناً رابعاً على هذه الرؤية :

4)  إن الله سبحانه وتعالى اراد ان يكتشف الإنسان حقائق الطبيعة بنفسه عبر حواسه وعقله فلو بين القرآن علوم الطبيعة كلها لتعطل العقل البشري ولأصبحت الحرية البشرية عديمة الفائدة " [9].

القول الفصل :

    إن القرآن الكريم لم يكن كتاب هداية للبشر فحسب , وليس موسوعة علمية حاوية على جميع العلوم والتكنولوجيا , بل هو دستور كامل يحوي على جميع المضامين السابقة , فهو كتاب هداية ورحمة وبركة للإنسان , كما أنه داعياً للتفكر والتأمل في عظمة الكون والطبيعة وأهمية العلم والتطور , قال شيخ الأزهر الشيخ مصطفى المراغي في مقدمة كتاب " الإسلام والطب الحديث " :

   " لست اريد ان اقول ان الكتاب الكريم اشتمل على جميع العلوم جملة وتفصيلاً بالأسلوب التعليمي المعروف , وإنما اريد ان اقول انه اتى بأصول عامة لكل ما يهم الإنسان معرفته به ليبلغ درجة الكمال جسداً وروحاً , ويترك الباب مفتوحاً لأهل الذكر المنشغلين بالعلوم المختلفة , ليبينوا للناس جزئياتها بقدر ما أوتوا منها في الزمان الذي هم عائشون فيه ......, يجب ان لا نجر الآية الى العلوم كي نفسرها , ولا العلوم الى الآية ولكن ان اتفق ظاهر الآية مع حقيقة علمية ثابتة , فسرناها بها"[10].

   وجاء في كتاب " روح الدين الإسلامي " :

   " ان نتيجة تطبيق القرآن على العلوم المعاصرة هي انه حاول بعض المسلمين في عصر غلبة الفلسفة الوضعية ان يستنتجوا فكرة هذه الفلسفة من القرآن ليضعوها حجراً أساساً للحكمة القرآنية "[11] .

   وأبدع السيد محمد حسين الطباطبائي (قده) بوصفه للقرآن الكريم[12]:

   " القرآن الكريم يدعو الى التفكر في آيات السماء والنجوم الزاهرة والتغيرات العجيبة التي تطرأ على أوضاعها والتأمل في النظام المتقن الذي يحكمها .

   يحثّ على التأمل في خلق الأرض والبحار والجبال والوديان والعجائب الموجودة في باطن الأرض واختلاف الليل والنهار وتغير الفصول .

   يدعو الى التدبر في خلق النبات العجيب والنظام الموجود في حياته ويدعو الى التدبر في خلق أنواع الحيوانات وأفعالها وآثارها في البيئة .

   يدعو مؤكدا الى التدبر في خلق الإنسان والأسرار الخفية الموجودة في بناء وجوده , وأكثر من هذا يدعو الى التدبر في النفس وعوالمها الباطنية وارتباطاتها بالملكوت الأعلى ويدعو الى السير في أقطار الأرض والنظر في ما بقي من الأسلاف واستطلاع أوضاع الأمم والمجتمعات البشرية  وأحوالها والى الاعتبار بقصص القدماء وتاريخهم ".

   وأكمل قائلاً : وهكذا يدعو الى تعلم العلوم الطبيعية والرياضيات والفلسفة والفنون الأدبية وكل العلوم التي في متناول الفكر البشري والتي ينتفع الإنسان والمجتمع البشري بتعلمها .

   يدعو القرآن الكريم الى هذه العلوم بشرط ان تهدي البشر الى الحق والحقيقة , وبشرط ان تكون رؤيتها الحقيقة للعالم هي معرفة الله تعالى وإلا فالعلم الذي يشتغل به الإنسان سيصده عن الحق والحقيقة وسيكون مرادفاً للجهل في قاموس القرآن المجيد " [13].

        د. نهضة الشريفي

الهوامش:


[1] النحل 89

[2] الانعام 38

[3]  التفسير المطول , محمد راتب النابلسي , ص2

[4]  المصدر نفسه

[5]  المصدر نفسه

[6]  ظ العلوم الطبيعية في القرآن الكريم , يوسف مروة , 161

[7]  البعد العلمي للقرآن الكريم , د. مهدي كلشني , 380

[8]  البعد العلمي للقرآن الكريم , د. مهدي كلشني , 381

[9]  المصدر نفسه .

[10]  الاسلام والطب الحديث , مصطفى المراغي , 519

[11]  روح الدين الاسلامي , عفيف عبد الفتاح طبارة , 270

[12]  القرآن في الاسلام , محمد حسين الطباطبائي , 94 

[13] القرآن في الاسلام , محمد حسين الطباطبائي , 94


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات