القائمة الرئيسية

الصفحات

نظرية نسبية الأخلاق في فكر الشهيد مرتضى مطهري





نظرية نسبية الأخلاق في فكر الشهيد   مرتضى مطهري

نظرية نسبية الأخلاق في فكر الشهيد

 مرتضى مطهري

     لعل الأسئلة التي تدور في الخلد وتتبادر الى الأذهان بشأن نظرية نسبية الأخلاق هي:

       ما مدى صلاحية الأخلاق الإسلامية لعصرنا الحاضر؟

    هل تملك أخلاق القرآن القابلية والصلاحية لاستيعاب متطلبات العصر الحاضر ومن ثَمّ تطبيقها على جيل اليوم ؟!

    وبمعنى أدقّ وأعمق:

       هل الأخلاق نسبية أم مطلقة ؟  

هذا ما سنتطرق إليه في بحث اليوم.

   أولا: مفهوم النسبية

    ينبغي أولاً أن نعرف ماذا تعني النسبية؟

    إننا نقول عن بعض الأمور بأنها نسبية كالصفة والحالة عندما نقيسها بشيء آخر، ونصفها نسبة لذلك الشيء ـ مثلاً ـ الصغر والكبر، تعتبر من الأمور النسبية.

     وهناك أمور مطلقة، مثلا الأعداد ، فلا فرق بين أن نقول: مائة حبة عدس، أو نقول مائة كوكب دريّ , فكلا العددين واحد. وكما لو قلنا: إن العدد (4) هو ضعف العدد (2) .


ركائز الدين الإسلامي تؤكد إطلاق الأخلاق:

    يتكون الدين الإسلامي من ثلاثة ركائز أو أقسام أساسية تعتبر بمثابة أعمدة الدين، وهي:

    - (العقائد) 

    - (الأخلاق) 

    - (الأحكام)

    والقسم الأخلاقي مهم جداً. فقد وردت في القرآن الكريم سلسلة أوامر وتوصيات أخلاقية. وبما أن الإسلام يتميز بخصوصيتين هما:

الأولى: ان شريعته خاتمة الشرائع السماوية

والأخرى: انه خالد ما دامت السماوات والأرض

    إذن كان لابد لنا أن نعتقد بأن الأخلاق مطلقة، وإلا فسيسقط العمود.


ثانيا: نظريات في نسبية الأخلاق وإطلاقها

   العلماء قديما - منذ عصر اليونان - كانوا يقولون بأن مقياس كل شيء هو الإنسان، وان معيار الحقيقة هو تشخيص الإنسان لها, أي لا يوجد حق واقعي، فالحق الواقعي هو ما يشخصه الإنسان، فإن قال: هذا حق فهو حق، وإن قال: هذا باطل فهو باطل.

    وفيما يلي نبذة موجزة عن بعض النظريات التي ظهرت على لسان جملة من الفلاسفة:


سارتر:

    في العصور المتأخرة ظهرت نظرية في باب الأخلاق, تقول بعدم وجود معيار غير اختيار الإنسان بخصوص حسن الأخلاق وقبحها، وأضافوا: إن مرادنا من الأخلاق الحسنة هو الأخلاق المحمودة. فكل خلق يحمد فهو جيد، ولكن هذا (الحمد) يتغير على امتداد الزمان، لذا فإن (الأخلاق الحسنة) تتغير أيضاً.


    فعندما يتبنى إنسان هذه النظرية تصبح عنده الأخلاق نسبية مائة بالمائة.

    يقول (سارتر): إن معيار أخلاقية الفعل لا يخرج عن وجود الإنسان في العمل. ويقول أيضاً: إن الشخص عندما ينتخب عملاً معيناً، فإن انتخابه يعني أن هذا العمل جيد، ومن البديهي أن أي شخص لا يختار عملاً باعتباره رديئاً، بل إنه يختاره باعتباره عملاً جيداً. وبما انه يعتقد بقيمة العمل الذي اختاره، فهو إذن يكون قد اختار هذا العمل للآخرين أيضاً.

  

    وحسب قوله: إن معيار أخلاقية فعل معين هو أخلاق الشخص الفاعل. إذن: تكون الأخلاق أمراً نسبياً، فإن ما انتخبه أنا، قد لا تنتخبه أنت؛ فيكون إذن ما أختاره أنا ـ ومن وجهة نظري ـ فعل أخلاقي، ويكون ـ من وجهة نظرك ـ ما اخترته أنت من فعل هو فعل أخلاقي. وهذا ما يختلف حسب الزمان.


راسل:

    عرّف (راسل) الأخلاق بشكل آخر، فقال: إن المعيار في الأخلاق هو (التناسق بين مصالح الفرد والمجتمع)، لأن الإنسان موجود نفعي مئة بالمئة، وأنه لا يندفع إلا بباعث المصلحة الشخصية .

    فالأخلاق في هذه النظرية تطرح باعتبارها خصلة ذكية تنسق وتؤلف بين مصالح الفرد، ومصالح المجتمع. ووفقاً لهذه النظرية تعتبر الأخلاق خصلة وأمراً ثابتاً وليس نسبياً.


كانت :

    اعتبر (كانت) الأخلاق سلسلة إلهامات وجدانية، ذكر ذلك في فسلفته ـ ونفى كون الأخلاق متعلقة بالعواطف والمشاعر أو بالعقل والإرادة.

   يرى (كانت) أن الفعل الأخلاقي هو ما يمارسه الإنسان بعنوان أنه تكليف يمليه عليه وجدانه، أو هو الفعل الذي يأمر به الوجدان.


   ومن البديهي أن هذه الإلهامات تعتبر إلهامات كلية، ودائمة، وتصدق في كل زمان، لأنه اعتبر هذا المطلق أمراً كلياً ثابتاً في كل زمان.



نظرية أخرى:  

     وهناك مذهب آخر يتبنى نظرية مغايرة في باب الأخلاق، يقول: إن الخُلق الحسن هو عبارة عن نوع توازن وتعادل بين جميع القوى تحت سلطة الحكومة المطلقة للقوى العاقلة، بحيث يكون حكم كل القوى والغرائز حكم الرعية المطيعة لهذا الحاكم.  

    وطبقاً لهذه النظرية تعتبر الأخلاق أمراً مطلقاً لا يُختلَف فيه من زمان عن زمان آخر. فالطاعة طاعة في كل وقت.


ثالثا: الفعل الاخلاقي

    لا ينبغي لنا أن نخلط بين إطلاق الأخلاق، وإطلاق الفعل الأخلاقي , أي لا يمكن اعتبار فعل معين أخلاقياً على الدوام، ولا يمكننا أيضا القول بأنه غير أخلاقي على الدوام.  فهل السلوك مطلق أم نسبي؟ وهذا غير كون الأخلاق مطلقة أو نسبية.


    مثلا: ضرب اليتيم هل هو فعل أخلاقي وجيد، أم سيئ وضد الأخلاق؟

    للإجابة عن هذا السؤال: لا يمكن الحكم على مطلق ضرب اليتيم بالحسن أو القبح، ففي بعض الأحيان قد يضرب اليتيم من أجل سلب شيء منه، وفي أحيان أخرى قد يضرب من أجل تأديبه، لأن التأديب قد يقتضي ضربه.

    فالضرب إذن ليس له حكم مطلق بالحسن والقبح. بل عندما يستعمل من أجل التأديب يكون حسناً، وعندما يستعمل من أجل سرقة ماله أو ابعاده أو قهره، يكون قبيحاً, ومنافٍ للأخلاق.


    إننا قد نعتبر الفعل الأخلاقي مضاداً للأخلاق، والفعل الذي هو مضاد للأخلاق أخلاقياً، فالصدق مثلاً، من جهة كونه صدقاً فهو حسن، ويجب قوله، والكذب من حيث كونه تحريفاً فهو قبيح، ولا ينبغي قوله.   

    ولكن...

    هل يمكن قول الصدق في كل مكان؟

    وهل يحرم قول الكذب في كل مكان؟

    من المؤكد أن قول الكذب يصبح في بعض الأحيان واجباً، وقد قيل:  إن الكذب الذي يحقق مصلحة هو خير من الصدق الذي يؤجج نار الفتنة، وهو كلام صحيح جداً.


    ومما لاشك فيه أنه لا مانع من قول الكذب في بعض المواطن، مثل إصلاح ذات البين فهناك بعض الموارد في فقهنا يجوز فيها الكذب، مثل الصلح بين متعاديين، وهذا هو معنى المصلحة، ونجاة بريء بواسطة الكذب , ففي مثل هذه المواطن، يكون الأفضل قول الكذب.


    فهناك فرق بين الأخلاق والفعل، فالأخلاق التي هي عبارة عن مجموعة خصال وسجايا وملكات اكتسابية قبلها الإنسان باعتبارها أصولاً أخلاقيةً هي أمر ثابت ومطلق، أما فعل الإنسان: فهو عبارة عن تحقق تلك الروحيات في الخارج، حيث تختلف باختلاف الظروف .


رابعا: العناوين الأولية والثانوية 

    كل شيء له عنوان بذاته، أي أن هناك صفة تصدق عليه، ولكن ربما يعرض له عنوان آخر.

    مثلاً:

    لو سئلنا: هل إن لحم الضأن جائز الأكل أم لا؟ سنقول: جائز الأكل.

    ثم لو سئلنا: هل إن لحم الخنزير جائز الأكل أم لا؟ سنجيب بحرمة أكله.  

    فالعنوان الأولي للضأن أنه جائز الأكل، والعنوان الأولي للخنزير أنه غير جائز الأكل، لكن نفس (جائز الأكل) هذا يكون بعنوان ثانوي غير جائز الأكل، إذا كان - مثلاً - ملكاً للغير، وقد سرق منه. فالضأن هذا يجوز أكل لحمه من جهة الحلية، ولكن لا يجوز أكل لحمه من جهة حرمة أكل لحم للغير بلا رضاه.


    وكذلك لحم الخنزير، الذي يحرم أكله، وفي وقت آخر يكون حلالاً أكله، عندما يضطر إليه الإنسان، بحيث تتوقف حياته على أكله. ففي هذه الحالة لا يكون أكل لحمه جائز فقط، بل يكون واجباً؛ فإذا لم يأكل منه ومات إنما يكون قد ارتكب حراماً.


    هذا ما يتعلق بنظرية نسبية الأخلاق في فكر الشهيد مرتضى مطهري، ولنا وقفة أخرى نتناول فيها نقد نظرية نسبية الأخلاق.

 

الدكتورة نهضة الشريفي

المصدر:

فلسفة الأخلاق في الإسلام – مرتضى مطهري 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات