القائمة الرئيسية

الصفحات

نقد الشهيد مرتضى مطهري لنظرية نسبية الأخلاق

نقد الشهيد مرتضى مطهري لنظرية نسبية الأخلاق

نقد الشهيد مرتضى مطهري لنظرية نسبية الأخلاق

    تطرقنا في بحث سابق الى نظرية نسبية الأخلاق في فكر الشهيد مرتضى مطهري، وبينّا مفهوم النسبية، وذكرنا أن البعض يعتقد بنسبية الأخلاق، ولأنها نسبية لا يمكن أن يكون لنا قوانين كلية ودائمة وصالحة لكل مكان وزمان، بل سيكون لنا في كل زمان قانون أخلاقي معين.

    وهذا كلام غير دقيق ولا يمتّ إلى الصحة بصلة، فما معنى أن يرى المجتمع شيئاً جيداً أو يراه رديئاً؟  سيتبين الجواب عن هذا السؤال في طيات البحث.

أولا: الأخلاق ليست نسبية 

    لو مرض شخص غريب في صحراء، وعثر عليه شخص آخر، لا توجد بينهما أدنى معرفة، فيدفعه إحساسه بغربته ومرضه، ودون أن يتوقع منه شيئاً، إلى أن ينقله الى المستشفى فوراً، لكي يوضع تحت عناية خاصة، ثم لا يكتفي بذلك، بل يكرر زيارته له في المستشفى كثيراً، إلى أن يتماثل للشفاء, فهل أن هذا العمل الذي قام به هذا الشخص لذلك المريض جيد أم لا؟ 

    الجميع يتفقون على أنه عمل جيد حسن جميل، ينمّ عن باطن إنساني أخلاقي فطري، يحمل قابلية التحقق في كل زمان ومكان، ويقينا سيثمر ينعه في أي وقت، وهذا يعني بكل بساطة ثبات الأخلاق وإطلاقها.

ثانيا: الأخلاق ونظرية الحسن والقبح

    يقال ان قبول أو عدم قبول الحسن والقبح من وجهة نظر العقل إنما يتغير بتغير الظرف، فعقل الناس قد يَعتبر شيئاً ما في زمان حسن وجيد، بينما يعتبره في زمان آخر قبيح ورديء، وهكذا في الأمكنة المختلفة. 

    إذن فالحسن والقبح العقليين اللذان هما أساس الأخلاق لن يكون وضعهما ثابت، بل يتغير زمانا ومكانا ـ
    مثلاً: اختلاف مواقف، وأذواق الشعوب إزاء مسألة الحجاب والسفور، فإن الأمة التي كانت قد تربت نساؤها منذ البداية على الحجاب، فإنها تستهجن السفور وتراه قبيحاً، فإن خلعت إحدى نسائها حجابها سيقولون بأنها ارتكبت عملاً قبيحاً .
 
    ولكن في أمة أخرى: عندما تكون نساؤها قد كبرن على السفور، فإن حجّبت إحداهن نفسها سترى أنها قد ارتكبت عملاً قبيحاً، لأن مجتمعها يرى أن الحجاب عمل قبيح. أي أن هذا الأمر يختلف باختلاف المكان والزمان.

 ثالثا: مقدمات الحسن والقبح

   بناءً على ما تقدم من الكلام أصبح لدينا مقدمتان للحسن والقبح:
الأولى: أن رأي البعض هو أن أساس الأخلاق، إنما هو الحسن والقبح.
والأخرى: أن الحسن والقبح هما من المفاهيم النسبية.

    بيد أن كِلا المقدمتين غير صحيحتين، لاسيما المقدمة الأولى، ففي الأساس لا صحة لكون الحسن والقبح أساس الأخلاق، فهي سالبة بانتفاء الموضوع.

    ان معنى الأخلاق هو تنظيم الغرائز، فكما ان الطب هو تنظيم قوى البدن، فإن الأخلاق تنظيم قوى الروح. وكما أن الطب ليس أساسه الحسن والقبح العقليين، كذلك الأخلاق ليس أساسها الحسن والقبح العقليين.

    الإنسان له قوى روحية، له غرائز، ولكل قوة منها تكاليف ينبغي على الإنسان أن يعرفها ويغذيها بمقدار حاجتها، دون إفراط أو تفريط ، كما يفعل مع بدنه.  
    فإن أهمل قواه الروحية، وذلك بأن أعطى لبعضها أكثر من حاجتها وأنقص نصيب الأخرى، وتركها جائعة، فهنا سيحدث الاختلاف والاضطراب، وهذا هو ما يدعى بالأمراض الروحية.
    إن هذا الأمر لا يحتاج إلى أن يُبحث، هل أنه - عقلاً - حسن أم قبيح؟ لأن أساس الأخلاق سلامة الروح.

    إن أساس الأخلاق عند الإنسان أن تكون إرادته قوية، بمعنى أن تكون إرادته متغلبة على عادته، وعلى طبيعته,  فلو شخّص مثلاً: أن الصلاة هي أحد التكاليف الشرعية التي تجلب له الخير في حياته الدنيوية والأخروية، فإن هذا الإنسان يستطيع أن ينهض وقت السحر لأداء الصلاة وتلاوة الدعاء، والاستغفار، والتضرع إلى الله، فينهض بسرعة، ولكن طبيعته ستقول له: 
نَم واسترح، وهو لازال مأخوذاً بالنعاس ويريد أن يستلذ بالنوم. فها هنا إذا كانت إرادته قوية، فإنها حتما ستتغلب على طبيعته، وينهض فوراً، ويشرع بأداء عبادته.



    ومثال آخر: عندما يعلم بأن قلة الطعام أمر جيد ومفيد للبدن، ففي حالة جلوسه إلى المائدة، وأكله مقداراً معيناً سيرى نفسه أنه لازال جائعاً. أما طبيعته، فستقول له:  كل، فإنك لم تشبع بَعد، فإن كانت إرادته قوية سيكف عن الطعام.

    وكذلك في مجال الاعتياد، فعندما يعرف الإنسان التدخين عادة مضرة أخلاقياً ومالياً، فإن كانت إرادته قوية فسيمتنع عن التدخين، أي تتغلب إرادته على عادته، أما إذا كان لا يمتلك تلك الإرادة، فإن عادته هي التي ستتغلب.

    فالأخلاق تعني أن تتغلب إرادة الإنسان على عاداته وطبائعه أي أن يقوي إرادته بشكل يستطيع فيه الغلبة، حتى على عاداته الحسنة، لأنه من غير الصحيح أن يعتاد الإنسان حتى على العمل الحسن، كيف؟!!

    مثلاً: نحن يجب أن نصلي، ولكن لا بدافع العادة؛ فمن أين نعرف أن صلاتنا هي عادة أم لا؟  علينا ان ننظر: هل أننا نؤدي كل الفرائض الإلهية بشكل يشبه أداء الصلاة؟ فإن كان الأمر كذلك نعرف حينها أن أعمالنا دوافعها إلهية.

     أما إذا كنا نأكل الربا ونصلي حتى النوافل، أو نخون أمانات الناس، ولكن لا نترك قراءة القرآن والأدعية، حينها نفهم أن عملنا ليس عبادة، وإنما هو عادة.

    عن الإمام الصادق (ع) : "لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده" أي لا يخدعنكم طول الركوع والسجود، فلربما كان هذا عادة يستوحش صاحبها من تركها. فإن أردت أن تعرف ذلك الإنسان، فامتحنه بالصدق والأمانة، لأن الأمانة والصدق ليستا من الاعتياد، كما هو حال الصلاة.

رابعا: بأي اعتبار ننظر الى الحسن والقبح؟

    إن الأمور التي تعتبر حسنة على قسمين:  بعضها حسنة بذاتها. والبعض الآخر حسنة باعتبارها وسيلة، وكذلك الأمور القبيحة بعضها قبيحة بالذات، وبعضها قبيحة باعتبارها مقدمة للشيء القبيح، فنحن نقول عن الشيء الحسن أو القبيح حسناً أو قبيحاً باعتباره مقدمة لشيء حسن أو قبيح. فالأمور التي تختلف حولها أفكار الناس، وتتغير بتغير الزمان أو المكان ليست هي نفس الأشياء الحسنة أو القبيحة بل إنها مقدمة القبيح أو الحسن. 

    مثلا إنهم يقولون: إن الحجاب عند بعض الناس حسن والسفور قبيح، بينما عند البعض الآخر يعتبر السفور حسن، والحجاب قبيح. إذن فهذا الحسن والقبح ليس بالأمر الثابت.
    وفي جواب هؤلاء نقول: إن المسألة التي ينبغي أن تطرح ليست مسألة الحجاب وعدمه، بل هو موضوع العفة الذي هو أمر فطري عند الإنسان، فالعفة أمر في ضمير كل رجل وامرأة، والمسائل الأخرى تعتبر مقدمة ووسيلة لها.

    فالذي يقول بأن الحجاب حسن، هل إنه يعني بأن الحجاب حسن بذاته بغض النظر عن العفة؟ وأن المرأة المحجبة هي جيدة حتى لو أنها تخلت عن عفتها بشكل كبير مع الحجاب؟ أم أنه حينما يقال بأن الحجاب حسن من جهة كونه مقدمة وحارساً وحافظاً للعفة؟ فالملاك إذن ليس الحجاب وإنما فضيلة العفة، وهي خلق ثابت.

 خامسا: نسبية الآداب وإطلاق الأخلاق    

     تبقى لدينا مسألة الآداب المرتبطة بحاجة أخرى للإنسان، غير المسألة الأخلاقية، وهي امور اكتسابية نطلق عليها مسمّى آخر هو (الفنون)، أي إن الإنسان محتاج مثلا لأن يتعلم الخط والكتابة.
    قال الرسول(ص) : "من حقوق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويعلمه الكتابة ويزوجه إذا بلغ" .
    فالكتابة واحدة من الآداب والفنون، وكذلك الخياطة وركوب الخيل والسباحة، إن هذه الآداب تختلف باختلاف الزمان، فالإنسان لا ينبغي له أن يؤدب أبناءه بآدابه.

    فإذا كان في زمانك من مقتضيات الآداب تعلم الكتابة، أما بعد ذلك، فقد وجدت آلة الطابعة وآلة الاستنساخ إنك نفسك كنت تعرف الكتابة، ولكنها في الزمن الآخر، لم تعد كافية لوحدها، بل يجب تعلم الضرب على الآلة الطابعة.

    في زمانك كانت الخيل وسيلة الحمل والنقل، وكان عليك أن تتعلم ركوب الخيل، أما الآن، فقد طرحت مسألة السياقة للسيارات. في زمانك لم يكن لهذه الفنون وجود، أما في عصر أبنائك، فلم يبق معنى لركوب الخيل، وعليك أن تعلمه السياقة، فلا ينبغي لك العناد والإصرار على أن تعلمه ما كنت تعرفه أنت.

    ومن جملة الآداب: العادات والأعراف السائدة بين الناس، والتي لا يصح أن نقول عنها جيدة أو رديئة، فكل قوم لهم عادات وأعراف خاصة بمناسبات الأعراس ـ مثلاً، وفي مجالس الضيافة كذلك، فلا ينبغي الخلط بين نسبية الآداب وتغيرها وإطلاق الأخلاق وثباتها.

الدكتورة نهضة الشريفي
المصادر:
فلسفة الأخلاق في الإسلام – الشهيد مرتضى مطهري


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات