القائمة الرئيسية

الصفحات

الظاهرة القرآنية ومستويات الفكر المعاصر


الظاهرة القرآنية ومستويات الفكر المعاصر


الظاهرة القرآنية ومستويات الفكر المعاصر

    كيف تعاطى الفكر المعاصر مع الظاهرة القرآنية؟ وماهي المستويات الفكرية للمعاصرين لدى تناولهم للظاهرة القرآنية؟

    يمكن تصنيف العلماء والمفكرين المعاصرين الذين تناولوا الظاهرة القرآنية على مستويات أو أصناف:

أولا: السلفيون المتشددون

    وهم الفئة المتمسكة بالقرآن الكريم حرفيا من دون تأويل ما يلزم تأويله, تتعامل مع ظواهر الكتاب وتنكر بطونه, وتنادي بالعودة الى حياة السلف الصالح وممارساتهم اليومية في المجتمع.

    ولا يخفى ان في هذا موت القرآن، فلا يعقل ممارسة حياة الأولين من الصحابة من دون اعتبار تأثير التطور الفكري والعلمي والحضاري .

    برزت السلفية بمصطلحها هذا على يد الشيخ أحمد بن تيمية في القرن الثامن الهجري، وقام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بتجديد هذا المصطلح في منطقة نجد في القرن الثاني عشر الهجري.

    والسلفية اليوم تمثل مدرسة من مدارس الفكر الحركي الوهابي، وتقوم على المنهج النصوصي الذي يعتمد النصوص والمأثورات بعيدا عن الرأي والقياس، والعقلانية والتأويل، وهدفها الرئيس إخضاع المجتمع والحياة والميادين السياسية عمومًا إلى ما يتّفق والنظام الشرعي الإسلامي بحسب رؤيتها ومتبنياتها الخاصة.

ثانيا: المعتدلون

    وهم الإسلاميون غير المتشددين ممن يتعاملون مع القرآن ظاهره وباطنه, ومؤلفاتهم التفسيرية غاية في الدقة والعلمية والعقلانية، والتعمق في الجذور الإسلامية الأصيلة، بيد ان اهتمامهم الشديد بالتراث واعتباره في تفسيرهم للقرآن الكريم بمعزل عن متطلبات مجتمعهم , جعل أبحاثهم وتفسيراتهم في الغالب تنظيرية بعيدة عن الواقع والحياة العملية.

    إن هذا الصنف من العلماء يعمل دوما لغرض الحدّ من الخطاب الديني للسلفيين الذي ينطوي على غلو وتطرف ولا يعبر عن الإسلام الصحيح، لأن الدين الإسلامي جاء ليوازن بين المصالح ويراعي طبيعة الإنسان ومتطلبات الحياة في كل ابعادها.

    فالمنهج الوسطي المعتدل هو المنهج الذي أعلنه القرآن الكريم وسار عليه الرسول(ص)،  ونجد كثيرا من المواقف التي اتبعها الرسول كانت انموذجا لهذه الوسطية التي هي اعتدال بين طرفين.


ثالثا: المصلحون

    وهم العلماء الذين تفاعلوا مع مجتمعهم ومقتضياته وإشكالاته ومستحدثات مسائله فنظروا الى القرآن الكريم على انه الملجأ والمعالج لكل المستجدات الحياتية.

    وكان تفسيرهم منطلقا من القرآن وممتزجا الى حد ما مع التقدم في شؤون الحياة , أو منطلقا من ميدان الواقع المعاش متجها نحو القرآن, يستنطقونه في معالجة إشكالات المجتمع .

    ونجد في تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا خير مثال على هذا الصنف من العلماء.

رابعا: المجددون

    المجددون هم المفكرون المنفتحون على العالم بعلومه وتطوراته, أخذوا على عاتقهم مسؤولية النهوض بمجتمعهم نحو الرقي والتقدم, ووصله بالجادة المستقيمة للإسلام, عن طريق فهم متجدد للدين والقرآن الكريم, مع احتفاظهم بالنظرة التقديسية للقرآن, والإقرار بمصدريته الغيبية, وهذا هو سر حياة القرآن وخلوده.

    ومن هؤلاء المجددين المفكر الجزائري الدكتور مالك بن نبي بمؤلفاته القيمة التي تدور حول الظاهرة القرآنية وتركز على الآيات الكريمة بحثا وتحليلا وتعمقا، وتهتم بمعاني الآيات تقديسا وتنزيها لها من التفسيرات الفاسدة والملوثة.

   إن مالك بن نبي كان يهدف من وراء إصراره على إشاعة المنهج التحليلي في دراسته للظاهرة القرآنية, وبيان أهميته وضرورته, الى إتاحة الفرصة للشباب المسلم للتأمل الواعي والناضج في الدين، وفسح المجال لإدخال إصلاحات مناسبة على المنهج القديم في تفسير القرآن الكريم.

خامسا: الحداثويون

    اختلف الناس في نظرتهم الى الحداثويين, فاصطدم هذا المصطلح بواقع النظرة الإيجابية والسلبية, والعامل الأساس لاختلاف وجهات النظر هو البيئة وتأثيراتها, والغالب عندنا النظرة السلبية, لأن مناهج الحداثويين ممن يشتغلون على القرآن جلّها تقليدا للغرب, واقتباسا من عالم لا ينتمي الى الإسلام , فجاءت أفكارهم عنيفة صادمة للمجتمع الإسلامي؛ لاختراقهم كثيرا من المقدسات التي ينبغي أن لا تمسّ عند عوام الناس قبل علمائهم .

    ومن المفكرين الحداثويين المفكر الجزائري محمد اركون، الذي أخضع الآيات الكريمة للمنهج الألسني، ودعا الى أنسنة القرآن، وفسّر بعض سور القرآن الكريم بطريقة حداثوية مجردة عن المصدر الوحياني للظاهرة القرآنية.

    هكذا كانت انطلاقتنا عبر جولة خاطفة حاولنا فيها التدرج في مستويات الفكر البشري، والمرور بأبعاد وزوايا متباينة في النظر الى الظاهرة القرآنية.

الدكتورة نهضة الشريفي

المصادر:
السلفية – محمد عمارة
الظاهرة القرآنية – مالك بن نبي
الأنسنة والتأويل في فكر محمد أركون – كحيل مصطفى



هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات