تكبّر إبليس
الكِبر والتكبّر من الرذائل القبيحة التي تقابل التواضع من جهة الإفراط ,
ومعناه: (الركون الى رؤية النفس فوق الغير, وبعبارة أوضح: هو عزة وتعظيم يوجب رؤية
النفس فوق الغير, واعتقاد المزية والرجحان عليه...وبه ينفصل عن العجب, إذ العجب مجرد
استعظام النفس من دون اعتبار رؤيتها فوق الغير, فالعجب سبب الكبر, والكبر من
نتائجه)([1]) .
تعريف الكبر والتكبر:
قال بعض
المفسرين بأن أصل الباب: الكبر، وهو العظم، وأن الاستكبار، والتكبر، والتعظم،
والتجبر، نظائر([2]), وأن حقيقة الاستكبار: )الأنفة مما لا ينبغي أن
يؤنف منه. وقيل: حدّه الرفع للنفس إلى منزلة لا تستحقها)([3]).
وقيل: إن الكبر عبارة عن (خلق نفساني وحالة باطنية توجد في الإنسان
بواسطة رؤية نفسه أفضل وأسمى مرتبة من شخص آخر بحيث يعتمد على هذا الاعتقاد الخاطئ
فيرى نفسه مهما وعزيزا وعظيما ويفرح بعظمته الموهومة, ويرى غيره ذليلا ولا قيمة
له)([4]).
وجاء في ذمّ الكبر: (إن من أفاخم جنود الجهل,
ومَساوي الأخلاق, ومذامّ الأوصاف التي يبعد بها الإنسان عن قرب رب العالمين, ولا
ينتهي قهقراه إلاّ إلى أسفل السافلين, التكبّر على الله وعلى عباده المسلمين)([5]).
مسببات الكبر ودرجاته:
ومن الروايات الواردة في التحذير من هذا الخلق الخبيث: قال أحدهم(( سألت
أبا عبد الله(ع) عن أدنى الإلحاد, فقال: الكِبْرُ أدناه))([6]), وجاء في
وصايا الإمام الصادق(ع) لأصحابه:(( إياكم والعظمة والكبر فإن
الكبر رداء الله عزّ وجل فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذله يوم القيامة))([7])
.
وللكبر مناشئ ومسببات([8]) :
v
الكبر بسبب الإيمان والعقائد الحقة,
ويقابله الكبر بسبب الكفر والعقائد الباطلة .
v
الكبر بسبب الملكات الفاضلة والصفات
الحميدة, ويقابله الكبر بسبب الأخلاق الرذيلة والملكات القبيحة .
v
الكبر بسبب العبادات والصالحات من
الأعمال, ويقابله الكبر بسبب المعاصي والسيئات من الأعمال .
وله درجات, وهي :
التكبر على الله ــــ
التكبر على الأنبياء والأولياء ــــ التكبر على أوامر الله, وهذا يرجع الى التكبر
على الله ــــ والتكبر على عباد الله, وهذا أيضا راجع الى التكبر على الله تعالى([9]) .
وذكروا أن منشأ الصفات السيئة والطبائع
القبيحة الحيوانية والشيطانية جميعا هو الكبر, من مثل: الحسد , الحقد , الرياء ,
والغضب([10]).
قصة إبليس وإبائه السجود لآدم:
لعل إبليس ـــ عليه لعائن الله أبد الآبدين ـــ يمثل أوضح
مصداق لهذه الصفة الرذيلة وما يستتبعها من رذائل أخرى :
ابتدأت القصة قبل خلق آدم(ع) بزمن طويل, مسكوت عنه قرآنيا ــــ سوى
إشارات ــــ لكنه مصرّح به في أقوال المعصومين, ابتدأت يوم كان إبليس مندسّا بين
صفوف الملائكة, متعايشا معهم عمرا مديدا, دؤوبا على عبادة الله تعالى والسجود له, لا
يفتر ولا يتهاون ولا ينقطع عن العبادة, ولم يكن من
الملائكة من هو أشد اجتهادا، ولا أكثر علما منه، فقد عبد الله تعالى ستة
آلاف سنة, لكنها تلاشت وصارت هباءً منثورا في ساعة واحدة!!
نعم, هذا المعنى ورد عن أمير المؤمنين(ع) في إحدى خطبه :
(( فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط
عمله الطويل وجهده الجهيد, وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة لا يدرى أمن سنيّ الدنيا أم من سنيّ
الآخرة, عن كبر ساعة واحدة))([11]).
أما قصة إبليس في القرآن فقد ابتدأت بالتعريف عن هذه الشخصية منذ لحظة
التمرد والعصيان, فحين أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم استكبر إبليس, وامتنع
عن السجود !!
]وَإِذْ قَالَ
رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ
فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ
لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا
ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن
كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا
إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا
أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ
اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ
الْكَافِرِينَ[([12]).
تداعيات استكبار إبليس :
أولا: أول من أنشأ الكفر وأسس النفاق
إن إبليس عليه اللعنة بامتناعه عن السجود لآدم كشف عن كفره, وأماط اللثام
عن خبث سريرته التي كان يحرص على إخفائها طيلة مكثه بين عالم الملائكة, ولو كان
مطيعا لله تعالى من صميم وجوده لما أقدم على عصيانه ومخالفة أمره .
وفي تفسير خطاب الله تعالى
للملائكة حين اعترضوا على خلافة آدم]..وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ[ قال صاحب الميزان:( إن تقييد الكتمان بقوله
تعالى] كُنتُمْ تَكْتُمُونَ[ مشعر بأن هناك أمرا مكتوما في خصوص آدم وجعل
خلافته, ويمكن أن يستظهر ذلك من قوله تعالى في الآية التالية] فَسَجَدُواْ
إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ[([13]), فيظهر أن إبليس كان كافرا قبل ذلك
الحين, وأن إباءه عن السجدة كان مرتبطا بذلك)([14]).
وجاء في مجمع البيان:(وأما قوله تعالى]
وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ[ قيل
معناه: كان كافرا في الأصل, وهذا القول يوافق مذهبنا في الموافاة)([15]).
وباستكبار إبليس وعصيانه هذا كان (أول
من كفر, وأول من أنشأ الكفر)([16]). إن عدم السجود في نفسه ليس كفرا, ذكر ذلك
الطبرسي, ثم أردف قائلا:
(فإن قيل: لِمَ حكم الله
بكفره، مع أن من ترك السجود الآن لا يكفّر ؟ قلنا: لأنه جمع إلى ترك السجود خصالا
من الكفر منها أنه اعتقد أن الله تعالى أمره بالقبيح ولم ير أمره بالسجود حكمة,
ومنها أنه امتنع من السجود تكبّرا وردّا على الله تعالى أمره, ومن تركه الآن كذلك
يكفّر أيضا, ومنها أنه استخف بنبي الله وازدراه, وهذا لا يصدر إلا من معتقد الكفر)([17]).
وكان أول من أضمر الكفر وأظهر الطاعة
قبل الأمر بالسجود, وهذا يعني أنه هو المؤسس لأسلوب النفاق, والمعبّد الطريق
للمنافقين ليعيثوا في الأرض فسادا منذ ذلك الحين والى يومنا هذا .
ثانيا: تأسيسه لمنهج القياس
ربط إبليس امتناعه عن السجود لآدم بعلة مادية صرفة, فكشف بذلك عن ضيق أفقه
وانحباسه ضمن إطار المادة التي لا روح فيها ولا حياة ] قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ
تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ
مِن طِينٍ[([18])متناسيا أن الله تعالى نفخ فيه من
روحه ] فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ
فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ[([19]), ومتجاهلا الفضائل التي أودعها فيه,
وهذا لوحده كافٍ للكشف عن أفضلية آدم وذريته على إبليس وذريته, فإنه قاس النار
بالطين ناظرا الى أفضلية النار من جهة, ناسيا الجهات الأخرى التي يتمتع بها آدم من
الخلافة عن الله, ومن المعرفة التي يحملها .
جاء في إحدى الروايات: ((دَخَلَ أَبُو حَنِيفَةَ
عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا حَنِيفَةَ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقِيسُ
قَالَ نَعَمْ قَالَ لَا تَقِسْ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ حِينَ قَالَ
خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فَقَاسَ مَا بَيْنَ النَّارِ
وَالطِّينِ وَلَوْ قَاسَ نُورِيَّةَ آدَمَ بِنُورِيَّةِ النَّارِ عَرَفَ فَضْلَ
مَا بَيْنَ النُّورَيْنِ وَصَفَاءَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ))([20]), وبتفضيل إبليس ومقايسته هذه أسس
للمنهج القياسي وركز دعائمه, وما أكثر خطأ القياسيين الذين إذا وجدوا صفة في أحد
أمرين ذهبوا الى أفضليته دون أن يتحققوا من باقي الصفات التي يمكن أن تفضله على
الآخر وتميزه عليه([21]).
عن أبي عبد الله(ع):
(( إِنَّ أَصْحَابَ الْقِيَاسِ طَلَبُوا الْعِلْمَ
بِالْقِيَاسِ فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنَ الْحَقِّ إِلَّا بُعْداً إِنَّ دِينَ
اللَّهِ لَا يُصَابُ بِالْقِيَاسِ))([22]), وسأل أحدهم أَبَا
الْحَسَنِ مُوسَى(ع) عَنِ الْقِيَاسِ فَقَالَ: (( مَا لَكُمْ وَالْقِيَاسَ إِنَّ
اللَّهَ لَا يُسْأَلُ كَيْفَ أَحَلَّ وَكَيْفَ حَرَّمَ))([23]).
ثالثا: يَعلم الحق ويحيد عنه
كان إبليس عالما بوجود الله, وعالما بوحدانيته وعظمته وقدرته وهيمنته على
عباده, وأنه يشمل خلقه بلطائف رحمته أو يأخذهم بألوان العذاب, كل حسب ما تقدمه
يداه, لم يكتسب هذا العلم من أحد بل بالمشاهدة والمعاينة والمعايشة, والحضور في
الأجواء الملائكية المعطرة بالتسبيح والتهليل والخضوع والخشوع لله الواحد الأحد,
فلم يكن محتاجا الى من يرشده الى الحق سبحانه, ومما يؤكد معرفته بالله على نحو لا
يمكن إنكاره, الحوار الذي دار بينه وبين رب العزة والجلالة حين أبى السجود:
] قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا
يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ أَنظِرْنِي
إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي
لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ
وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ
شَاكِرِينَ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ
لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ[([24]).
وعلى الرغم من كل ذلك العلم وتلك
المشاهدة جحد واستكبر وتمرّد على الأمر الإلهي برفضه السجود لآدم, وهو في ساحة
القدس حيث لا يعصي الله عز وجل أحد, بل لا يجرؤ أحد من مخلوقاته مجرد التفكير في
مخالفة ربه . وجادل ربه في أمر السجود في محاولة لفرض عبادته من حيث يريد هو.
عن
الصادق(ع): ((أُمر إبليس بالسجود لآدم فقال: يا رب
وعزتك إن أعفيتني من السجود لآدم لأعبدنك عبادة ما عبدك أحد قط مثلها. قال الله جل
جلاله: إني أحب أن أطاع من حيث أريد))([25]) .
رابعا: رذيلة الكبر تستتبع رذائل
إن استكبار إبليس وتمرده على الله الكبير المتعال كشف القناع عن بشاعة
سريرته وقذارة نفسه, فطفح من دواخله قيحا أفرز حالة الاستخفاف والاستهانة بمن دون
الله من خلقه وموجوداته, وهانت عليه كل معصية, وتلبّس بكل أنواع الرذائل, فأضمر
الحقد والحسد ومارس الكذب والخداع مبتدئا بآدم وحواء:
]وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ
هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ[([26]) وأقسم بالله كذبا ]وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ
النَّاصِحِينَ[([27]) ليدفع آدم الى مخالفة ربه, ولتداخله نشوة
الانتصار على آدم بغضا وعداوة وحسدا, وهذا منتهى الصلف والجحود والكفران.
وهذا هو ديدن إبليس اللعين مذ تمرّد وعصى وحتى هذه الساعة,
ينفث سمومه في صدور الناس وينثر بذور الشك بينهم حول العدل الإلهي, أو يزعزع نفوس
العباد في أصل توحيد الله, بل حتى في أصل وجوده عزّ وجلّ, على الرغم من معرفته أن
الله حق وواجب الوجود .
خامسا: الشيطان يحارب الأنبياء
إن جميع قصص القرآن يشترك فيها بطل يلعب
دورا رئيسا, لا يتخلف عن القصة بأي حال من الأحوال, منذ ابتدائها وحتى انتهائها,
ضامرا وظاهرا في آن معا, له جولات وصولات, يخرج منها منتصرا تارة ومنهزما أخرى,
ألا وهو الشيطان الرجيم لعنة الله عليه, المشوّه حقيقة الرسالات الإلهية, المحارب
أنبياء الله, كما حارب نبي الله آدم(ع).
فلنتأمل قليلا: لماذا لم يؤمن قوم نوح وعاد
وثمود, وغيرهم من الأمم الأخرى؟ أليس قد عشعش الشيطان في قلوبهم, ووسوس في صدورهم,
وثبطهم عن الحقّ, فحقّ عليهم العذاب وأبيدوا في الدنيا, ولهم في الآخرة عذاب عظيم
؟ إنهم استجابوا لدعوة الشيطان, ولات حين مندم, يوم يتبرأ منهم اللعين ويسخر منهم يوم
القيامة:
]وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ
إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ
لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ
تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ
إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ[([28]).
على أن هناك أقواما انتصروا على
الشيطان, فكان عليه اللعنة في مآل الأحداث من المدحضين:
منهم: قوم نبي الله يونس
الذين آبوا الى رشدهم وتابوا الى الله قبل أن يحل عليهم العذاب, فصرعوا الشيطان في
نفوسهم وفازوا برضى خالقهم] فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ
آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا
عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ[([29]).
ومنهم: أصحاب الكهف الذين نبذوا زينة
الحياة الدنيا واختاروا الآخرة فزادهم الله هدى وربط على قلوبهم]نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ
إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ
إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن
دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً[([30]).
ومنهم: أصحاب الجنة الذين غصبوا
حصة الفقراء وطمعوا بها]إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا
أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ
فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ
فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ فَانطَلَقُوا
وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ
وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ
قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى
بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا
أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ[([31]).
فندموا على
فعلتهم, وآبوا الى بارئهم, وتابوا توبة نصوحا, فطردوا الشيطان من ساحة قلوبهم,
وانتصروا عليه .
وإذا كان الشيطان هذه رذائله, وهذه قبائحه,
فلماذا نستجيب له حين يدعونا؟!! فلنعتبر فيما بقي من عمرنا الذي سرعان ما ينطوي
فنرى الحقيقة بعين اليقين !! ولنتعظ بقصص القرآن حتى يجعل الله لنا مخرجا, وينجينا
من حبائل الشيطان ومكائده, ويشملنا بلطفه وعنايته ورحمته, إنه سميع مجيب .
الدكتورة
نهضة الشريفي
الهوامش :
تعليقات
إرسال تعليق