القائمة الرئيسية

الصفحات


من وصايا النبي محمد ص قبل رحيله

من وصايا النبي محمد ص قبل رحيله

    في هذا البحث سنتطرق الى جملة من الدروس والعبر نقتطفها من وصايا النبي محمد ص أواخر حياته الشريفة، ونبيّن مآل الرسالة بعد موت الرسول، هل تضمحل وتموت بموت صاحبها، أم تستمر وتبقى وتخلد الى ما شاء الله؟ وما تكليفنا نحن ازاء حمل الأمانة؟


بماذا أوصى النبي ص أمته؟

    ما هي التعليمات التي كان المعلم الأول (ص) يركز عليها ويحاول غرسها في أمة الإسلام قبيل رحيله من عالم الدنيا؟ كثيرة هي الأمور التي حرص النبي العظيم على إيصالها الى العالمين عبر الزمان والمكان فضلا عن أمته وقومه وأصحابه وأهل بيته، نقتطف شذرات منها على سبيل المثال لا الحصر:


1.   لا ينظر الله الى أنسابكم

    يوم الحساب لا شفاعة فيه للنسب، ]فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ[([1]) وإنما النجاة بالعمل الصالح الذي يكشف عن نيّة خالصة وقلب سليم ]يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[.


    هذا المعنى رسّخه الرسول ص طوال عمره الشريف في أذهان قومه، وأكده في أواخر أيامه، إذ توجَّه إلى أقرب الناس إليه، إلى أقاربه وأرحامه، وقد دعاهم فيها إلى أن لا يتَّكلوا على قرابتهم منه أو انتسابهم إليه للنّجاة عندما يقف الناس للحساب.


    واتّسع ذلك فشمل كلّ المؤمنين، يوم تأتي كلّ نفس تجادل عن نفسها، بل على ما يقدّمونه لأنفسهم من عمل، فالمقياس عند الله بالعمل، والنجاة بالعمل الصالح، وبالعمل وحده يبلغ الإنسان ما عند الله.


    وهذا ما نجده في قوله ص: (( يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ الله شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ الله، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ الله شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ الله شَيْئًا))، (( أيّها النّاس، لا يدَّعِ مدَّع، ولا يتمنَّ متمنّ، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، لا ينجي إلا عمل مع رحمة، ولو عصيتُ لهويت)).


    نعم ، إن رسول الله ص وهو سيد الحكماء والبلغاء يعي ما يقول، ويعلم ما ينفعنا من الوعظ، فلو عصى - وهو النبي المقرّب لربه - لهوى وما سلم من العقاب، ويؤيد مقولته القرآن نفسه إذ يتحدث عن الرسول ص ]وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ[([2]) .



2.   الدعوة الى نبذ الشحناء والبغضاء

    توجّه النبي ص إلى أمَّته التي كان يخشى عليها أشدّ الخشية من التشظّي والفرقة، وأن تعبث بها الأهواء والمصالح والأطماع، فوقف ليعلّم المسلمين كيف ينظرون إلى بعضهم البعض، وكيف يتعاملون عند الاختلاف:


    (( أيّها النّاس، اسمعوا قولي واعقلوه عنّي، فإنّي لا أدري، لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا... أيّها النّاس؛ إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربَّكم... ألا هل بلَّغت؟ اللّهمّ اشهد... أيّها النّاس، إنما المؤمنون إخوة، ولا يحلّ لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفسٍ منه.. ألا هل بلغت؟ اللّهم اشهد.. ألا لا ترجعنّ بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض...)).


    وكان توجسه في محلّه، فها هم المسلمون اليوم يمارسون ما تنبّأ به رسول الله (ص) وحذَّر منه، فالخلافات، مذهبيّة كانت أو طائفيّة أو حزبيّة أو أيّ خلاف، بدلاً من أن تعالج بالحوار ومدّ جسور التواصل، سرعان ما تتحوَّل إلى أحقادٍ وضغائن وسبّ وشتم ولعن، بل الى القتل وهتك الأعراض وإسقاط الكرامات.


3.   التأكيد على حديث الثقلين

    بلغ النبي ص أنّ الناس، نساءً ورجالاً، محزونة جزعة تبكيه لدنوّ أجله، فقرر المجيء إلى المسجد وهو على ما به من الضعف والمرض، متوكّئاً على أمير المؤمنين عليّ(ع) وعمّه العباس بن عبد المطلب، وخطب في الناس ناعيا نفسه وناصحا لهم بالتمسك بالكتاب والعترة، المنجيان من الضلال والهلكة: 


    (( أمّا بعد، أيّها الناس، فماذا تستنكرون من موت نبيّكم؟! ألم ينع إليكم نفسه وينع إليكم أنفسكم؟! أم هل خُلِّد أحد ممّن بُعث قبلي فيمن بعثوا فأخلد فيكم.. ألا إنّي لاحق بربي، وقد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا؛ كتاب الله بين أظهركم تقرؤونه صباحاً ومساءً، فيه ما تأتون وما تدَّعون، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخواناً كما أمركم الله، ألا ثمّ أُوصيكم بعترتي أهل بيتي، أن لا تفترقوا عنهم أبداً حتى تقوم السّاعة)).


مصير الرسالة بعد موت الرسول

    ما زال الصوت القرآني يدوّي بعد انتقال الرّسول(ص) إلى جوار ربِّه بأن الرسالة لا تموت بموت صاحبها، ]أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ[([3])، فإذا مات الرّسول أو قُتل فإنَّ الرّسالة باقية خالدة، تمتدّ خطوطها العريضة ما امتدّت الحياة في الناس، ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً[([4]).


    ما هو دور النبي الفعلي؟ وما حقيقة المهمة المناطة له؟ دوره هو الدعوة الى دين الله، وتبليغ الرسالة، كما حدّثنا الله تعالى بقوله: ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً[([5])، فالله تعالى أرسل رسوله لغرض إيصال الرسالة كاملة غير منقوصة، وتهيئة الظّروف الملائمة التي تؤمِّن امتداد هذه الرسالة من بعده في المستقبل.


    فما مهمتنا نحن ازاء رسالة الله بعد رحيل الرسول؟ لابد لنا من حمل الرسالة والالتزام بها ، ونقلها من زمان الى زمان ومن جيل إلى جيل. ولا بد لنا من الاهتمام بانتماء أبنائنا إلى الإسلام أكثر من اهتمامنا بتوفير أمورهم المادّية ومتطلباتهم الدنيوية، لأنّ الإسلام هو رسالة الله، وهي أمانة في أعناق المؤمنين به تعالى، ليحملوا هذه الرسالة ويبلّغوها بكلّ ما لديهم من جهد، ]الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً[([6]).


    وعلى هذا يمكن الخروج بقاعدة عامّة ينبغي التزامها، وهي ألاّ نجعل ارتباطنا الرسالي بالشخص لذاته، فما دام حيّاً سرنا مع الرسالة، أفإن مات تركناها وولينا الأدبار؟!!!!

   علينا هنا أن نعي أن في كلّ الخطوط يموت القائد ويبقى الخطّ، يموت المرجع ويبقى فقهه، يموت المسؤول وتبقى مبادئ مسؤوليته. فلا يكون ارتباطنا به ارتباطاً شخصياً، بل يجب أن نحوّل ارتباطنا الى الرسالة، وبذلك تكون انتماءاتنا رساليّة لا شخصيّة، ونبتعد عن عبادة الشخصية.

 

الدكتورة نهضة الشريفي

 

([1]) سورة المؤمنون: 101

([2]) سورة الحاقة: 44 – 45 - 46

([3]) سورة آل عمران: 144

([4]) سورة المائدة: 3

([5]) سورة الأحزاب: 45

([6]) سورة الأحزاب: 39


المصادر:

1.   في ذكرى وفاة الرّسول الأكرم(ص) - السيد محمد حسين فضل الله - موقع بينات 

2.   محاضرة خاصة، وفاة الرسول الأكرم - السيد محمد حسين فضل الله 

            

         حول صراع النبي ص مع المشركين انظر:

            انقلبوا على أعقابهم يوم أحُد

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات