القائمة الرئيسية

الصفحات



مفهوم الإيمان في فكر محمد شحرور

مفهوم الإيمان في فكر محمد شحرور

    من المفكرين المعاصرين الذين حاولوا تقديم صورة عصرية لمفهوم الإيمان المفكر العربي السوري محمد شحرور، وذلك ضمن مشروعه الإسلامي الذي قدّمه مستمدا مرجعيته بشكل كامل من فهمه الخاص للقرآن الكريم .

الإسلام هو الإيمان:

    يعرّف شحرور الإسلام بأنه (الإيمان والتسليم بالله وجودا ووحدانية, وباليوم الآخر, وتنفيذ أوامره في العمل الصالح)([1]) , وهو بهذا التعريف جعل الإسلام دينا يتعالى على التاريخ , دينا عالميا يتخطى قيد الترتيب الزمني , وعلى الرغم من مجيئه بعنوان خاتمة الشرائع السماوية , لكنه أفلت من عجلة الزمن وانتشر إشعاعه وامتد الى (ما قبل) و(ما بعد)، فهو يعتقد ان الإسلام بوصفه دينا هو واحد قبل بعث النبي محمد(ص) وبعده، وعلى هذا فمن آمن بالله وبالمعاد وتعايش مع الناس بسلام وحب يعدّ مسلما، فهذه مواصفات المسلم في أي زمن كان .

    إن الإسلام الذي وصفه شحرور يخرق مسلّمات النظام الطبيعي للبشرية، إذ يجعل  الأنبياء السابقين كلهم مسلمين ولم يشهدوا رسالة الإسلام, والآيات القرآنية تشهد على هذا المعنى، منها المناجاة التي جرت على لسان النبي يوسف(ع) في القرآن الكريم: ]...أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ[([2]) .

     ونلحظ تنحية الأحكام الشرعية واضحا في تعريف شحرور للإسلام، ومغايرا لما ورد عند آخرين, فقد يجيء الإسلام عندهم بمعنى كلمة التوحيد, وأصول العقائد المشتركة بين كل الأديان, كقوله تعالى ]إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ[([3]), وقد يجيء بمعنى الدين الذي بُعث به النبي(ص) من العقائد والتكاليف الشرعية والمبادئ الخلقية, متمثلا في قوله تعالى ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً[([4]), فالإسلام بهذا المعنى يقابل الأديان السماوية كاليهودية والنصرانية([5]) .

    وفي الميزان نجد ان مفهوم الإسلام هو (التسليم للبيان الصادر عن مقام الربوبية في المعارف والأحكام)([6]) فهو وإن اختلف في الشرائع الأخرى كمّاً وكيفا, لكنه في الحقيقة ليس إلا أمرا واحدا, والأحكام جزء منه .

    وثمة تعريف أخر للإسلام يهتم بإقامة موازنة بين المادة والروح , فهو (دعوة لحياة مادية وروحية معا, حياة تشمل العالمَين الجواني والبراني جميعا, أو كما يقرر القرآن ]وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا[([7]) انطلاقا من هذا التعريف نستطيع أن نقول ان جميع الناس أو أغلبهم مسلمون بالإمكانية)([8]) .

    إن مسألة وحدة الدين وتنوع الشرائع من المسائل التي تناولها المفسرون كثيرا , فنجد الطباطبائي يصرح بأن الله تعالى لم يتعبد البشر إلا لدين واحد لا غير, وهو الاسلام له , لكنه تعالى (سلك بهم لنيل ذلك مسالك مختلفة وسنّ لهم سننا متنوعة على حسب اختلاف استعداداتهم وتنوعها، وهى شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد(ص) كما أنه تعالى ربما نسخ في شريعة واحدة بعض الأحكام ببعض لانقضاء مصلحة الحكم المنسوخ وظهور مصلحة الحكم الناسخ كنسخ الحبس المخلد في زنا النساء بالجلد والرجم)([9]) .

تصنيف مصطلح الإسلام:

     يصنف شحرور مصطلح الإسلام في زمرة "الإيمان الأول" ومن غير الممكن تقبّل أي إيمان آخر من دونه, ]وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ[([10]), فإن عبارة ]وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[ يمثل الإيمان الأول, وعبارة ]وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ[ يمثل الإيمان الثاني, وكذلك قوله تعالى ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ[([11]) فيكون الإيمان الأول متعلقا بالله وبالإسلام والمسلمين, أما الإيمان الثاني فيتعلق بالرسول وبالإيمان والمؤمنين([12]) .

    ولم يرد مثل هذا التصنيف عند المفسرين, وإنما ورد تقسيم الإسلام على قسمين عام وخاص, فإن (الدين الحقيقي هو الإسلام, أي التسليم لأمر الله بمعناه العام, وأما بمفهومه الخاص فهو الانتقال الى الدين الإسلامي الذي هو أكمل الأديان...لا يقبل من أحد سوى الإسلام مع الأخذ بنظر الاعتبار احترام سائر الشرائع الإلهية المقدسة)([13]) .

    ومن متبنياته أن الإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر هو تذكرة الدخول في الإسلام, وان كل قيمة إنسانية عليا ليست وقفا على أتباع رسالة محمد(ص) فهي من الإسلام كالصدق والأمانة وبرّ الوالدين, ورأس الإسلام شهادة ان لا إله إلا الله , أما رأس الإيمان فشهادة أن محمدا رسول الله([14]) .



الفرق بين الاسلام والايمان:

    يعتقد شحرور ان الفارق الأساس بين الاسلام والايمان هو ان الإسلام فطرة ومُثل عُليا عامة لجميع البشرية , مثل بر الوالدين والوفاء بالكيل والميزان والامتناع عن شهادة الزور, وما يماثل ذلك, أما الايمان فهو تكليف ضد الفطرة ]لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا[([15]), خاص بالمؤمنين من أتباع النبي محمد(ص), أي تكاليف شعائرية خاصة لا تحمل طابعا عالميا أو سياسيا, لا يجوز فيها الإبداع والتفنن, كالصلاة والزكاة والصوم والحج, فالإبداع في الاسلام حسن والابتداع في الايمان قبيح([16]) .

    في الواقع ان المسألة لا تقاس بالتقابل, بل بالتكامل, فلا إيمان من دون إسلام , فإذا قبلنا بأن الإسلام دين الفطرة - وهو كذلك - فهل يكون لازمه القول ان الإيمان ضد الفطرة ؟

    إن الآية التي ساقها شاهدا لا تعطي هذا المعنى, فإن الإيمان فطري وليس تكليفا ضد الفطرة, ولا يتعارض مع كونه اكتسابيا، بدليل قابليته للزيادة والنقصان, فإن من الضروري أن يكون لكل مسلم برهانه الإيماني الذي ينقله من إيمان الفطرة إلى إيمان الدليل, وقد رأى السيد الخميني ان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر من أحكام الفطرة والجبلّة , ومن لوازم الوجود , وقد تخمرت في أصل طبيعة الإنسان وخلقته([17]) .

    والمقصود بالتكليف في الآية الكريمة (كلام جار على سنّة الله الجارية بين عباده ان الله لا يكلفهم ما ليس في وسعهم من الإيمان بما هو فوق فهمهم والإطاعة لما هو فوق طاقة قواهم, وهو أيضا السنّة الجارية عند العقلاء وذوي الشعور من خلقه)([18]), بمعنى ان التكليف جرى على ما يناسب قابلية الإنسان واستعداده وفطرته وليس ضد الفطرة .

    أما الفرق بين الإسلام والإيمان فقد ورد استعماله عند العلماء (مرة على سبيل الترادف بينهما, ومرة على سبيل الاختلاف بينهما, ومرة على سبيل التداخل)([19]), فقد يطلقان على معنى واحد, ويدل عليه الحديث الشريف ((بني الإسلام على خمس))([20]), وقد يطلقان ويبدو بينهما اختلاف في المعنى, فيراد بالإسلام الاستسلام ظاهرا بالجوارح واللسان, ويراد بالإيمان التصديق القلبي الجازم, كقوله تعالى ]قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ[([21]).

    أما التداخل في المعنى فيعني اختلاف المراد من كل منهما مع دخول أحدهما في مسمى الآخر, كالحديث المنسوب الى النبي(ص) حينما سئل:((أي الإسلام أفضل؟ فأجاب: الإيمان))([22]), وتفسيره أن الإيمان مختص بأعمال القلب, بينما الإسلام تسليم بالقلب أو اللسان أو الجوارح([23]) .

    وذكر صاحب الأمثل في الفرق بين الإسلام والإيمان([24]) :
·       إن الإسلام له صورة ظاهرية قانونية؛ لأن الذي يتشهد الشهادتين بلسانه تجري عليه أحكام المسلمين, أما الإيمان فهو أمر باطني وواقعي بقلب الإنسان لا بلسانه .

·       قد يكون وراء اعتناق الإسلام دوافع شتى مادية أو شخصية , لكن الإيمان منطلقه منطلق معنوي خالص ينهل من منبع العلم , ومن ثمراته التقوى .

    إذن لم يُبقِ شحرور أي خصوصية للإسلام, فكل من وحّد الله تعالى يعدّ مسلما بنظره, وبالتالي ينجو من العقاب, هكذا من دون شروط !! ولعل استنتاج بيغوفيتش بأن جميع الناس أو أغلبهم مسلمون بالإمكانية , يقترب كثيرا من استنتاج شحرور بأن المسلمين ليسوا هم فقط اتباع النبي محمد(ص), بل هم كل من تنطبق عليهم الآية الآنفة الذكر .

    وللكلام تتمة في الجزء الثاني من البحث، نتناول فيها آراء المفكر محمد شحرور في العبادات, ومسائل أخرى.


الدكتورة نهضة الشريفي


الهوامش: 


([1]) الإسلام الأصل والصورة , محمد شحرور , طوى للثقافة والنشر والإعلام – لندن , ط1 – 2014م : 189
([2]) سورة يوسف : 101 ,  وكذلك ينظر في السور : البقرة : 133 , آل عمران : 52 , يونس : 84 ـ 90 , النمل: 44 ـ 91
([3]) سورة المائدة : 44
([4]) سورة المائدة : 3
([5]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع, علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني : 1/ 12
([6]) الميزان : 3/ 139
([7]) سورة القصص : 77
([8])الاسلام بين الشرق والغرب , علي عزت بيغوفيتش , ترجمة: محمد يوسف عدس , مؤسسة العلم الحديث – بيروت , ط1 – 1414ه – 1994م : 318
([9]) الميزان : 6/ 359
([10]) سورة محمد : 2
([11]) سورة النساء :136
([12]) ظ الإسلام الأصل والصورة , محمد شحرور: 189
([13]) الأمثل , ناصر مكارم الشيرازي : 2/ 390
([14]) تجفيف منابع الارهاب , محمد شحرور : 28
([15]) سورة البقرة : 286
([16]) ظ الإسلام الأصل والصورة , محمد شحرور : 192
([17]) ظ الأربعون حديثا , روح الله الموسوي الخميني , تعريب: محمد الغروي , دار زين العابدين – لبنان , ط1 , 1431ه – 2010م : 224
([18]) الميزان : 3/ 450
([19]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع, علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي : 1/ 12
([20]) الكافي , الكليني : ٢ / ١٨ باب : دعائم الاسلام
([21]) سورة الحجرات : 14
([22]) صحيح البخاري , كتاب الإيمان : 1/ 77
([23]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع, علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي : 1/ 13
([24]) ظ الأمثل : 16/ 416

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. السلام عليكم مقال ممتاز ولكني رجعت الى البخاري فلم الحديث الذي كتب رقم 22 وهو اي الاسلام افضل فقال الايمان ولكن قال من سلم المسلمون من لسانه ويده ارجو منكم ان تذكروا لنا الحديث واين نجده وشكرا

    ردحذف

إرسال تعليق

التنقل السريع في المحتويات