القائمة الرئيسية

الصفحات

قراءة في كتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي




قراءة في كتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي


                    قراءة في كتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي


     يتميز كتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي بمنهجية نفسية تحليلية ومنهجية إيمانية غاية في العمق

     إن نظرة فاحصة الى الثقافة الأدبية والبلاغية التي انتهجها الجيل المعاصر في المجتمع العربي لدى دراسته للقرآن الكريم تكشف لنا عن إعراض بيّن وانحدار واضح في التعامل مع اللغة العربية بصورة عامة .

    يرى مالك بن نبي أن المسلم اليوم أمسى فاقدا لفطرة العربي قبل الإسلام وإبّانه , وأضحى مضطرا الى ان يدرس القرآن في صورة أخرى وبوسائل مختلفة عن التذوق البياني الفطري والتلمّس الجمالي والابداعي في صدر الإسلام مثلما تذوقه الوليد بن المغيرة([1]) , أو الفتاة الاعرابية التي وقفت موقف المنبهر لفصاحة قوله تعالى ]وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ[([2]), فأحست بفطرتها السليمة وسليقتها العربية الأصيلة باشتمال هذه الآية القرآنية على أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين([3]).

    وكذلك تختلف وسائل المسلم المعاصر في دراسته للقرآن عن التذوق العلمي والأدبي أيام الجاحظ في كتابه "نظم القرآن" , وعبد القاهر الجرجاني في كتابه "دلائل الإعجاز", فصار يتناول الآية من جهة التركيب النفسي الموضوعي أكثر مما يتناولها من جهة العبارة, فيطبق لدى دراسة مضمونها طرقا للتحليل الباطن([4]) .

المنهج النفسي التحليلي:

    إن مالك بن نبي من المفكرين الذين انتهجوا المنهج النفسي التحليلي في دراسة الآيات القرآنية, إذ التزم بالنظر الى الظاهرة القرآنية نظرة إيمانية تقديسية , مؤكدا كونها معجزة إلهية ومخططا ربّانيا محكما لإنقاذ البشرية , خلافا للنظرة السلبية التي ينظر اليها لفيف من التيار المعاصر كظاهرة لا تختلف عن الظواهر الفيزيائية أو الطبيعية أو الاجتماعية , فدأب لدى دراسته وبحثه فيها على ممارسة المنهج التحليلي والنفسي ؛ معللا ذلك بكونه ضرورة ملحة بالنسبة للمسلم اليوم , وأكثر إلحاحا بالنسبة لغير المسلم الذي يدرس القرآن بوصفه موضوعا للدراسة والبحث أو للمطالعة الاعتيادية .

    واهتم بالفصل بين الظاهرة القرآنية وبين ظاهرة النبوة, وحرص أشد الحرص على سوق الأدلة العقلية والبراهين العلمية لإثبات هذا الفصل, شعورا منه بأهميته وضرورته لتنقية عقيدتنا ولئلا يشوبها الكدر والخلط مثلما فعل المستشرقون وبعض الحداثويين, إذ نبعت من أفكارهم شبهة بشرية القرآن وقولهم أن الظاهرة القرآنية إنما هي من بنات أفكار النبي نفسه([5]) .
    بيّن ابن نبي العلاقة بين الظاهرة القرآنية وظاهرة النبوة, فالأولى هي الوجه المرئي الذي يكشف عن الأخرى, ولا يمكن تلمّس ظاهرة النبوة إلا بوساطتها, وهنا يسوق مثالا محسوسا يتناغم والموجة العلمية الكاسحة في أوساطنا, هي المغناطيسية, وهي ظاهرة موضوعية, فالأبرة المغناطيسية هي الوجه المرئي الذي يكشف عن وجود المغناطيسية في أجوائه, فتعين لنا الحقائق النوعية كما وكيفا , وكذا فإن ظاهرة النبوة تنكشف بواسطة المعجزة الإلهية التي تجري على يدي النبي([6]), ومعجزة خاتم الأنبياء بعيدة عن الحس لكنها تملأ الدنيا بإشعاعها كاشفة عن نبوة النبي الخاتم صلوات الله عليه وآله .

    ويمضي في تبنّي وجهة النظر العلمية, ويبني كلامه على مجاراة أفكار "هيكل" القائمة على ملاحظة الظواهر, فيقول (إننا إذا وجدنا حالة نبوية خاصة لا تفسر شيئا ولا تثبته فإن تكرّرها في ظل بعض الشروط يبرهن على الوجود العام للظاهرة بطريقة علمية, ويبقى علينا أن نبحث في ماهية هذا التكرار لكي نستخلص من صفاته الخاصة القانون العام...فليس هناك من سبب وجيه لكي نسلّم مقدما بالنبوة بالمعادلة الشخصية)([7]) , وهكذا بالنسبة الى الظاهرة القرآنية, فإن سلكنا النهج العلمي ,على غرار ما فعل ابن نبي, فإن تنجيم التنزيل وتكرار الحدث برهان ساطع على وجودها واقعا, وهذا يدعونا الى البحث في ماهية هذا التكرار لاستخلاص حقائقه وخصائصه, فمن المهم تحديد اصل وجود الظاهرة القرآنية ومصدريتها وحقيقتها ؛ لأن ذلك يؤثر بصورة مباشرة في جميع الأحكام المستوحاة من القرآن .

    يتعامل مالك بن نبي مع الظاهرة القرآنية على وفق إيمانه الراسخ بأسس ثابتة ومبادئ واضحة لديه, فهو يثبّت أولا مبدأ كون الإسلام هو (الوحيد من بين جميع الأديان الذي ثبتت مصادره منذ البداية, وعلى الأخص فيما يختص بالقرآن, ولقد امتاز القرآن الكريم بميزة فريدة هي أنه تنقل منذ أربعة عشر قرنا دون أن يتعرض لأدنى تحريف أو ريب)([8]) .
    وهو مؤمن مطمئن بأن القرآن هو (الكتاب الديني الوحيد الذي يتمتع بامتياز الصحة التي لا جدال فيها؛ لأنه لم يثر النقد أية مشكلة حوله)([9]) , وذلك مقارنة بالكتب السماوية الأخر, وهذه النظرة تقع على طرفي نقيض من نظرة بعض المفكرين إزاء القرآن, الذين يذهبون الى أن القرآن الذي نزل على النبي9 ضاع الى الأبد بموت صاحبه ولا يمكن استرجاعه , والذي بين أيدينا هو المصحف المدون وليس القرآن الأصلي([10]) , واخضعوا القرآن للنقد وافتعلوا الإشكالات حوله شكلا ومضمونا([11]) .

    ويعتقد ابن نبي ان التحديد الكامل للقرآن الكريم في زمن النبي(ع) نفسه لهو ظاهرة جديرة بالملاحظة والاهتمام من وجهة علم النفس وعلم الاجتماع في الوسط العربي إبان العصر المحمدي ـ حسب تعبيره ـ (فتلك نقطة جوهرية تستحق البحث والوقوف أمامها, إذ ليست هنا مشكلة تدوين بالنسبة للقرآن, كما هو الأمر بالنسبة للكتاب المقدس...فكلما كان الوحي يتنزل كانت آيات القرآن تثبت في ذاكرة الرسول وصحابته, وتسجل فورا بأيدي أمناء الوحي)([12]) .

    هذه النظرة الإيمانية والتبجيلية للقرآن الكريم, والتعلق الروحي من بن نبي جعلته مؤهلا لإرساء منهج يجابه به تيار الفكر الغربي الذي اجتاح الشرق في عقر داره , فانتهج منهجا استمد أصوله من تأمل طويل في طبيعة النفس البشرية، وفي غريزة التدين المكنونة في فطرة الإنسان, هذا المنهج يناسب عقول الشباب المتأثر بهوى الحداثة والتجديد على حساب الدين , وهو المنهج النفسي التحليلي .

نماذج من المنهج النفسي التحليلي :

الأنموذج الأول :

    تطبيقا للمنهج النفسي الذي تبناه مالك بن نبي نورد انموذجا أبدع في تحليله واستخلاص ثمراته , إذ وقف عند المحتوى المنطقي للآية الكريمة : )قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ(([13]) .
    فعدّ هذه الآية حجة على المشركين, ولها دلالات إيحائية مستنبطة من مضمونها, يقدمها القرآن الكريم للنبي(ع) ليستعملها في الجدال مع المشركين من جهتين([14]) :

    الأولى: انها تشير إشارة خفية الى ان تكرار الشيء ضمن ظروف معينة دليل على صحته لأن ظاهرة التكرار تدعم حقيقته .

    أما الأخرى: فإنها تحمل في دلالاتها ارتباطا بيّنا مع الرسالات السماوية السابقة.

    وإزاء هذين الأمرين يصح دراسة الظاهرة القرآنية في ضوء الرسالات السماوية السابقة , وبالمقابل يصح دراسة هذه الرسالات في ضوء الظاهرة القرآنية .
    ويستمر بن نبي في تحليلاته واستنتاجاته من الآية الكريمة , ليخلص الى ان الظاهرة أو الحدث المتكرر يكشف عن إعجاز القرآن الكريم من جهات([15]) :

أولا: من جهة الحجة التي يواجه بها النبي(ص) المشركين, فيلزم منها ان تكون ضمن مستوى إدراك الخصم, وإلا انتفت الفائدة منها .

ثانيا: من جهة انها وسيلة من وسائل تبليغ الدين, وبهذا اللحاظ ينبغي أن تكون فوق طاقة الخصم .

ثالثا: وأما بلحاظ الزمان فيكون تأثير الظاهرة القرآنية وإعجازها بمقدار حاجة البشرية للدين .
    ومن منطلق اللحاظ الزماني يصل الى عالمية القرآن المتناسبة مع مقدار احتياج الناس له عبر الأزمان, مقارنة بالمعجزات الحسية في الرسالات السابقة التي لم تكن بحاجة الى إجهاد فكري ولم تمسّ جوهر الدين, وانحصر تأثيرها على جيل معين في مقطع زماني محدد , وهذا الترتيب الإلهي يتواشج ونفسية الأقوام السابقة التي لم تكن مؤهلة لفهم معنى التبليغ وتحمّله فضلا عن الإحساس بأهميته .

    أما الرسالة الإسلامية فلكونها تتسم بالعالمية فإن الحاجة الى التبليغ ستبقى ملازمة لها نفسيا وتاريخيا , ومن هنا تباينت آليات التبليغ ولم تعد حسية مؤقتة, وإنما فكرية ومعنوية, ودائمة مع ديمومة الرسالة وخلودها .

      إننا نتعاطى مع الواقع اليوم , ونرى بأنفسنا مدى انحسار البلاغة والفصاحة والنظم عن مكانتهما الأولى, فلم تعد مصدر الإلهام الوحيد في استلهام الاعجاز إن لم نقل بالنفي لهذا المصدر بكليته , فالذهن البشري تبدلت اتجاهاته , فمثلا نجد الشيخ جوادي آملي يجاري الواقع ويقدم دليلا عقليا مستندا على فهمه لآية الإسراء, بعدم اقتصار التحدي بالإعجاز على البعد اللغوي أو البلاغي, و(إنما هو لجهات شاخصة لا تختص بالفصاحة والبلاغة؛ لأن قوله سبحانه ]قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً[([16]) يدعو الفريقين لكل عصر ومصر الى يوم القيامة أن يأتوا بمثله, مع ان غير العرب وهم الأكثر لا يعرفون فصاحتهم ولا بلاغتهم)([17]) .

    ونجد شحرور يصرح بأنه لا يساغ في عصرنا هذا (الاقتصار على إعجاز التنزيل بالقول انه استعمل مختلف أدوات وأساليب البلاغة والبيان التي عرفها العرب, بل يجب بالإضافة الى ذلك الإيمان بأن النبأ القرآني صادق وحقيقي)([18]) .



الأنموذج الثاني:

    نقف عند أنموذج آخر لمالك بن نبي, وهو توظيفه أسلوب الالتفات لتأييد منهجه النفسي في التعاطي مع الظاهرة القرآنية, وذلك في الآية الكريمة ]هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ[([19]) .

    إذ وجد أن الانتقال غير العادي من الضمير "كم" الى الضمير "هم" لهو جدير بالملاحظة, لكنه لم يكن بصدد معالجة هذه المسألة في صورتها البلاغية, وإنما كان يعالجها من الوجهة التحليلية النفسية, فقد لاحظ في خروج النص عن المألوف تمثّل الذات المحمدية بوضوح في دورين مختلفين على التوالي (فهي مخاطب مقصود مباشر داخل في ضمير المخاطبين الذين يتوجه إليهم الخطاب, ثم انها تصير شاهدا غير مقصود مباشرة, موضوعا بصفة طارئة أمام مشهد عبر عنه القرآن بضمير الغائبين, هذا الانتقال غير المتوقع يستتبع حالتين نفسيتين لا يمكن ان تنتج الثانية منهما إلا من الأولى, أو هي نفسها هذا الحل إذا ما تمثلنا ذلك في ذات معينة , هي ذات محمد(ص))([20]) .
    الا ان الانتقال في الضمائر داخل الآية لم يُحدث انتقالا في طبيعة الصورة , فالأفعال ترسم المشهد نفسه, في حين ان الفاعل يتغير, فالانتقال إذن جزئي, ولابد من تحديد مستوى آخر تتم فيه الظاهرة القرآنية قبل ان تؤثر في الذات الحاملة والمبلغة لها, ولا يمكن تصور هذا المستوى في ذات بشرية اخرى, واذن فمن الضروري رؤيته في ذات غيبية ميتافيزيقية ترتبط بالذات المحمدية برباط الوحي([21]) .

    هكذا يتعمق بن نبي في تحليله بأسلوب نفسي فريد ليصل بنا الى حقيقة الوحي المتمثل بالملك جبرئيل(ع) إذ يسلّم الأمانة العظيمة "الظاهرة القرآنية" الى الذات البشرية المستلمة للأمانة , المتمثلة في الشخصية النبوية "محمد"(ص) , فيثبت انفصال الظاهرة القرآنية عن الذات المحمدية .

     ويرى ان تفسير الآية بأسلوب الالتفات البلاغي مجرد تفسير سطحي وتعبير أدبي محض لا يقدم البيان النفسي التحليلي الذي يريده , ولا يعني من الوجهة النفسية إلا على حدوث مقصود صادر عن ذات مختارة وهي "الملتفت" .

    ومعلوم أن الالتفات فرع من علم المعاني, وعلم المعاني قسم من أقسام البلاغة الثلاث "البيان ـ المعاني ـ البديع" , ويعرّف الالتفات بأنه ضرب من العدول أو التحول في مسار التعبير, وهو من الظواهر التعبيرية التي يهتم علم الأسلوب- الذي هو من العلوم الحديثة- بتحليلها ورصدها في لغة الأدب, وهذا العدول والتحول في الالتفات يعد اليوم جوهر الأسلوب من وجهة نظر المعاصرين, فمن الطبيعي أن ترتكز دراسات البلاغيين وتحليلاتهم لصور الالتفات على كثير من المبادئ التي استند إليها علم الأسلوب([22]) .

الأنموذج الثالث :

    يقف ابن نبي عند المجاز القرآني ودوره في رسم بيئات مختلفة, لا تمثل فقط انعكاسا للحياة البدوية في الصحراء , فالمجاز في القرآن يستمد (عناصره وألفاظه من بيئات وجِواء ومشاهد جدّ مختلفة, فالأفكار المتصلة بالنبات كالشجرة وأنواع الرياض تصور لنا طبيعة أرض كثيفة الزرع, طيبة الهواء, أكثر من أن تصور أرض الصحراء القاحلة الرملية)([23]) .
    ومن النماذج القرآنية التي ساقها بيانا لمجاز القرآن الآية الكريمة ]أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ[([24]) .

    فوجد أن هذه الصورة المجازية لا علاقة لها بالوسط الجغرافي, ولا بالمعارف البحرية في العصر الجاهلي, ولا علاقة لها حتى بالمستوى العقلي, (وإنما هي في مجموعها منتزعة من بعض البلدان الشمالية التي يلفها الضباب...وفي الآية فضلا عن الوصف الخارجي الذي يعرض المجاز المذكور سطر خاص بل سطران: أولهما الإشارة الشفافة الى تراكب الأمواج. والثاني: هو الإشارة الى الظلمات المتكاثفة في أعماق البحار, وهاتان العبارتان تستلزمان معرفة علمية بالظواهر الخاصة بقاع البحر)([25]).

    ومن الواضح أن العصر القرآني لم يكن على علم بتراكب الأمواج, وامتصاص الضوء واختفائه في الماء عند وصوله الى عمق معين, وهو أمر يكشف عن انفصال ظاهرة النبوة عن الظاهرة القرآنية, والذي أكد عليه ابن نبي في تفاصيل كتابه, وهذا يفند مقولات المستشرقين ومن حذا حذوهم في بشرية القرآن, (وعلى ذلك فما كان لنا أن ننسب هذا المجاز الى عبقرية صنعتها الصحراء, ولا الى ذات إنسانية صاغتها بيئة قارية)([26]) .

وأخيرا : 

   فإن ابن نبي كان يهدف من وراء إصراره على إشاعة المنهج التحليلي النفسي في دراسته للظاهرة القرآنية, وبيان أهميته وضرورته, الى تحقيق هدف مزدوج من الناحية العلمية([27]) :

·       يتيح للشباب المسلم فرصة للتأمل الواعي والناضج في الدين .

·       يفسح المجال لإدخال إصلاحات مناسبة على المنهج القديم في تفسير القرآن الكريم.

الدكتورة نهضة الشريفي

الهوامش :



([1]) ظ الظاهرة القرآنية , مالك بن نبي , دار الفكر – دمشق , ط4 – 1987م : 63
([2]) سورة القصص : 7
([3]) تفسير المنار , محمد رشيد رضا , ط2- 1366ه-1947م : 1/ 28
([4]) ظ الظاهرة القرآنية : 67
([5]) ظ نزعة الأنسنة في الفكر العربي , جيل مسكويه والتوحيدي , محمد اركون, ترجمة: هاشم صالح, دار الساقي – بيروت – لبنان , ط1 – 1997م  : 10
([6]) ظ الظاهرة القرآنية : 87
([7]) م . ن : 87
([8]) الظاهرة القرآنية , مالك بن نبي : 103
([9]) م . ن : 106
([10]) ظ قضايا في نقد العقل الديني , محمد أركون : 187
([11]) ظ القرآن الكريم والقراءة الحداثية , الحسن العباقي : 16
([12]) الظاهرة القرآنية , مالك بن نبي : 104
([13]) سورة الأحقاف : 9
([14]) ظ الظاهرة القرآنية : 63 - 64
([15]) ظ م . ن : 64 - 65
([16]) سورة الإسراء : 88
([17]) الوحي والنبوة , جوادي آملي : 277
([18]) تجفيف منابع الارهاب , محمد شحرور : 33
([19]) سورة يونس : 22
([20]) الظاهرة القرآنية : 164
([21]) ظ م . ن : 166
([22]) ظ أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية, حسن طبل, دار الفكر العربي– القاهرة , 1418ه– 1998م : 33
([23]) م . ن : 294 - 295
([24]) سورة النور : 40
([25]) الظاهرة القرآنية : 296
([26]) م . ن : 296
([27]) ظ م . ن : 53

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع في المحتويات