فـلســــــــفـة الاعـتبـــــــار في النص القرآني
أولى القرآن الكريم اهتماما خاصا بالعبرة والاعتبار من أجل
بلورة الهدف الأسمى والغرض الأساس من نزوله على بني آدم, وهو إيصالنا الى منبع
القدس والفيض الإلهي, وتثبيت أقدامنا على صراطه القويم, فكان التركيز واضحا جليا
على مواطن الاعتبار في آياته الكريمة, للنهوض بنا الى مستوى ذلك الهدف الأسمى .
وقد تم تسليط الضوء على فلسفة
الاعتبار, لتبيين
الحكمة من هذه العناية البالغة بالعبرة والعظة في القرآن الكريم, وانتظم البحث ضمن منهجية ذات طبيعة
استفهامية, وذلك بترتيبه على أقسام, يضطلع كل قسم بمهمة الإجابة بشكل
موجز عن سؤال يعرض في مستهلّه, من أجل توضيح فكرة من الأفكار المتعلقة بالبحث :
[ أولا ] : تعريف الفلسفة
ما الفلسفة ؟ وما تعريفها ؟ قيل ان
الفلسفة بمعناها الشامل( كمال نفساني من الناحية النظرية والعملية)[[1]] , وذكروا
تعريفا آخرا للفلسفة هو: (العلم بأحوال الموجود من حيث هو موجود، لا من حيث تعيّنه
المخصوص كأن يكون جسما أو كمّا أو كيفا أو إنسانا أو نباتا...)[[2]]. وبعبارة واضحة: إن الفلسفة تعني (البحث
والدراسة في سلسلة من المسائل التي تتحدث عن مطلق الوجود وأحكامه وأعراضه على أساس
البرهان والقياس العقلي. وهي تتكلم عن وجود الأشياء أو عدمها وتدقق في أحكام مطلق
الوجود ولا تنظر إلى الأحكام والآثار المختصة بموضوع واحد أو عدة مواضيع معينة
وهذا بعكس العلوم التي تتناول دائماً موضوعاً واحداً أو عدة مواضيع مفروضة الوجود
ثم تدقق في أحكامها وآثارها وهي لا تنظر إلى وجود الأشياء ولا إلى عدمها)[[3]].
[ ثانيا ] : فلسفة الاعتبار
ما هي فلسفة الاعتبار؟ وما حقيقة
الانفعالات المؤدية الى الاعتبار؟ ومن أين منبعها ضمن المنظومة السايكولوجية
للإنسان؟
لعل المسألة تأخذ مسارا وجدانيا من جانب ،
وتعبير الآية الكريمة يكشف عن هذا المعنى ]
إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى[[[4]] فالخشية من
الله تعالى هنا حالة من حالات التقوى ودرجة من درجات السمو الوجداني قبل خضوعها
للإدراك العقلي، فإن( وسائط سلك طريق الاعتبار مهيئة لمن سرى في قلبه الخوف
والخشية من الله واعترته مشاعر الإحساس بالمسؤولية ،ومن رأى العبرة بعين معتبرة
اعتبر)[[5]] .
ومن جانب آخر يتحفز الإدراك والفكر ليتلقى
المسألة الاعتبارية بشئ من إعمال الذهن وإخضاع الأمر لمنطق عقلي للخروج بنتيجة
إيجابية كما هي الإشارة القرآنية ]
إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ [[[6]] .
والأبصار جمع بصر, والمقصود هنا البصيرة
التي تعني النظر الذهني العميق، وكثيرا ما يجئ الاستعمال القرآني لها ضمن تعبيرات
معينة لبيان مهام العقل ورتبه ومراحله، تبدأ بـ "الشعور" ويراد منه
الإدراك البسيط، ثم مرحلة "الفقه" ويعني إدراك المسائل الخفية من المسائل
الجليّة، وبعدها تأتي مرحلة "الفكر" ويُراد منه التحليل العقلي، ثم تأتي
مرحلة "الذكر" أي الحفظ في الذهن والحضور في البال، ثم مرحلة
"النُهى" التي تعني الإدراك العميق لحقائق الأمور، وتنتهي هذه المراحل
بمرحلة البصيرة، والبصيرة تقال للإدراك والوعي الداخلي، أما البصر فهو للعين
الباصرة[[7]]
.
وقد يعبّر بلفظ آخر هو" الألباب"
] لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ
لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ[[[8]] واللبّ يعني
(الصفوة من كلّ شيء، ولهذا
يطلق على المرحلة الرفيعة من العقل "اللب"، وكلّ لبّ عقلٌ لكن ليس كل
عقل لُباً، لأن اللب هو العقل في مراحله الرفيعة والخالصة)[[9]]،
وجاءت بعض التفسيرات المصداقية لتعبير" اُولي الألباب" بأن المشار اليهم (هم العلماء الذين خلصت
عقولهم من جميع ترسبات الأوهام، فهم يدركون وقائع نظام الخلق، ويرون جمال الخلق من
خلالِ المخلوقات)[[10]] .
[ ثالثا ] : الاعتبار من المنظور النفسي
على ضوء ما ذكرنا، هل يمكن ان نقرأ مسألة
الاعتبار قراءة تكشف عن قدر مما يعتمل في أعماق النفس الإنسانية ؟
يمكن القول: إن الاعتبار حالة نفسانية تجتاح أعماق الشعور، موجهة للسلوك، ناتجة عن ردة
فعل خارجي، تمتلك من الطاقة ما تستطيع به تغيير الكائن البشري جذريا ـــــ ضمن أقصى مدياتها ـــــ من وضع الى آخر.
أو : هو حالة انفعالية باطنية إزاء فعل
خارجي، تعتري القلب البشري ، لها القدرة على خلق الحواجز في دواخله للارتداع عما
يمكن ان يلحقه من سوء إن هو سلك سبيل الضلال ولم يرعوِ أو يرتدع عما أصاب سواه ممن
سلك ذلك السبيل .
هذه القراءة لا تبعدنا كثيرا عن المفهوم
اللغوي لأنها تمثل حالة عبور من كيف الى كيف، بشرط البصيرة، مثلما يُفهم من ظاهر
النص ]فَاعْتَبِرُوا
يَا أُولِي الْأَبْصَارِ[[[11]]
؛ لأن ذوي البصيرة هم وحدهم الذين لهم القابلية على الاستفادة من العبر والدروس
بكل صورها ، الماضية والحاضرة والمستقبلية .
وهذه القراءة توصلنا الى أن للاعتبار بواعث
وجدانية أخلاقية فضلا عن البواعث الإدراكية ، والوجدان الأخلاقي يعني الأوامر
الصريحة والحاسمة التي تلهم الإنسان من قبل ضميره ، ويتمثل هذا الأمر من دون
اعتراض ، وليس من أجل هدف أو غرض ، وإنما هو يفعله طاعة لأمر وجدانه[[12]].
والضمير الحي الملهم هو: ( أن تحب الخير والفضيلة من حيث هما, أي حتى من عدوك, وأن
تكره الشر والرذيلة حتى من نفسك، وأن تشارك الناس في مشاعرهم وآلامهم فيخفق قلبك
لكل مظلوم وبائس في شرق الأرض وغربها)[[13]]
إذن يمكن تصنيف مسألة الاعتبار ضمن العلوم العملية،
فإن أحكام العقل على قسمين: أحكام العقل النظري، وهو إدراك الأشياء الموجودة،
وأحكام العقل العملي، وهو إدراك الأشياء التي لابد أن تنجز، والمسائل الوجدانية
تقع ضمن الجانب الأخير من وظائف عقل الإنسان[[14]],
على أن ذلك لا يعني أن الضمير أو الوجدان يعيش في عزلة عن العقل, بل (هناك تشابك
عضوي بينهما, ولون من الوحدة والاتّساق, وبهما معا تكمل وتتم شخصية الإنسان,
ويمتاز عن الحيوان, وسائر المخلوقات)[[15]].
[ رابعا ] : مستويات الاعتبار
ما هي المستويات التي يمر بها الإنسان عند
وقوفه عند مواضع العبرة والاعتبار؟ إن
الكائن البشري هنا لا يخلو من تقمصه إحدى ثلاث حالات :
أ- التأثر الكامل:
وهو أن ينغمر في البعد الاعتباري بكل وجدانه ومشاعره وإدراكه وبصيرته] إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ[[[16]]فيتذكر ويعتبر ويصحح مساره في الحياة ويعدل سلوكه العملي على المستوى الفردي والاجتماعي]وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً[[[17]] فيربط الله تعالى على قلبه ] يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[[[18]] ويسدد خطاه, ويرفع شأنه, حتى لَيرقى في مصافّ الملائكة, أو أسمى وأرفع.
ب- العمى القلبي:
وهو أن يمر على مواضع العبرة بلا أدنى تأثر,
فيكون مثله كمثل الحمار يحمل أسفارا ، لو عرضتَ على سمعه وبصره أبلغ الصور, ودعوته
جهارا وإسرارا , للاعتبار والارتداع, لا يتزحزح وجدانه قيد أنملة] أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ
يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً[[[19]] فهو من
الذين ضُرب على آذانهم فلا يفقهون شيئا، ويكون حاله كحال الصم البكم العمي الذين
تثقل كواهلهم وقلوبهم أقفال الشياطين من الجن والإنس] وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ
الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ
فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ[[[20]] .
ت- الاستجابة المتباينة:
وهو أن ينفذ الى وجدانه وإدراكه مآسي الأقوام
الغابرة على درجات ومستويات متباينة تتسع وتضيق على وفق نمطين من التأثر :
الأول: تتدرج حالة الاعتبار في نفسه تبعا لنقاء سريرته أولا,
ومقدار وعائه ثانيا]أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء
فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا[[[21]]،إذ إن وعاء
القلوب يقدّر باستيعاب العقول وإدراكها، وعليه فإن استخلاص العبرة والاعتبار يكون
تبعا لسعة وعاء قلبه ومدى صفائه وقابليته على التأثر .
وتتوقف الاستجابة أيضا على طبيعة المنبه
الخارجـي ـــــ أي الصورة المعروضة التي ينبغي أن يعتبر بها ـــــ والحالة
الشعورية الآنية ، واتجاه التفكير الآني[[22]] .
والآخر : ان عملية التأثر تبدأ بـ [المنطقة
الوجدانية], وتنتهي الى [المنطقة الإدراكية] لأنه (لابد من شحنة وجدانية تصحب العمليات
الذهنية لتغذية النشاط العقلي بالدوافع والرغبات, ولتذكية الشوق الى مواصلة العمل
فباختلاف قوة هذه الشحنات الوجدانية يختلف مستوى النشاط العقلي)[[23]]ويختلف
معه مستوى التلقي.
ويطلق "الإدراك" على العملية
العقلية( وهو نوع من الاستجابة لرموز وأشياء ، وترمي هذه الاستجابة الى القيام
بضرب معين من السلوك )[[24]].
[ خامسا ] : صور الاعتبار
وإذا كان "الاعتبار" بهذه
الحساسية وبهذه الخطورة في حياة الإنسان فلِمَ تفرّد لفظه في موضع واحد من القرآن
الكريم؟ حيث انه لم يرد سوى في مستهل سورة الحشر المباركة بالصيغة الأمرية
(اعتبروا).
للإجابة عن هذا التساؤل لابد من التعرض الى
لفتات وصور رسمها القرآن الكريم, تفضي الى تتبع قراءة إحصائية دقيقة في توزيع مادة
(عبر) وصيغها ومشتقاتها بين السور والآيات الكريمة, وذلك في محاولة لتلمّس الحكمة
الإلهية وراء هكذا توزيع :
الصورة الأولى:
جاء تفرّد اللفظ القرآني ( اعْتَبِرُوا ) بالصيغة الفعلية, أمرا
إلهيا وخطابا ربانيا خطيرا, يعلوا صوته ويتجلى حضوره ويهيمن أثره على كتاب الله
كله، ويخترق الأسماع لينفذ الى أعماق السرائر لذوي الألباب والأبصار, فيملأ كيانهم
إلى أبعد منطقة وجدانية وإدراكية, الى الحد الذي لا يُحتاج معه لأمر آخر مماثل,
مجسدا عظمة وعلوّ الآمر الذي هو القدرة المطلقة, في قبال ضآلة ودنوّ المأمور الذي
لا حول له ولا طَوْل إلا بإمداد من القدرة المطلقة .
ومن هنا جاء هذا الأمر الإلهي
منفردا ولم يتكرر في القرآن الكريم, وإذ ذاك لابد ان يخضع العبد ويستجيب, ويطيع
حباً وكرامةً, ويمتثل هيبةً ورهبةً وخشوعاً؛ فإن صوت الحق نافذ الى بواطن النفس
الإنسانية مهيمن عليها وهو أقرب إليها من حبل الوريد .
الصورة الثانية:
توزّع اللفظ
القرآني (عِبْرَةً) عبر مجموعة من الآيات الكريمات, حيث شغل هذا اللفظ
المساحة القدسية الأولى من القرآن الكريم: ]
إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ [[[25]] وذلك في
أوائل سورة آل عمران ضمن الجزء الثالث .
ثم شغل هذا اللفظ المساحة الثانية من القرآن
الكريم في أربعة مواضع :
الأول : ] لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي
الأَلْبَابِ[[[26]] وهي خاتمة
سورة يوسف الواردة في الجزء الثالث عشر.
والثاني:
] وَإِنَّ
لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً[ [[27]]في منتصف سورة النحل في الجزء الرابع عشر، وتكرر التذكير الإلهي بشأن
الأنعام في الموضع الثالث: ] وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً [[[28]] في أوائل
سورة المؤمنون في الجزء الثامن عشر, وعاد التنبيه والتذكير مرة أخرى لبني البشر,
حيث تكررت العبارة التي وردت في الثلث الأول لتحتل مكانتها في هذه المساحة
القرآنية, وهو الموضع الرابع : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي
الْأَبْصَارِ[[[29]] في منتصف
سورة النور تقريبا في الجزء الثامن عشر أيضا .
وفي المساحة القدسية الأخيرة , وردت الآية
الكريمة : ]
إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى[[[30]] في قلب سورة
النازعات في الجزء الأخير من القرآن الكريم, فكان الختام: تذكير البشر بالخشية من
الله تعالى وأهميتها في استقامته على جادة الصواب, وهو أمر وجداني .
إن هذا النظام الرباني البديع في التوزيع
جاء منسجما والطبيعة البشرية، ممتزجا والفطرة الإنسانية، ليوقظ الغافلين عن هذه
الحقيقة الناصعة ويحفزهم على الاعتبار بعبر القرآن .
الصورة الثالثة :
أما مصاديق هذا اللفظ القرآني) عِبْرَةً ( فقد تنوعت
وتعددت, حيث أسهمت مرة في رسم صورة للإعجاز القرآني المتمثل في قصة الانتصار على
الكافرين من دون تكافؤ عددي]
إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ [[[31]]، ومرة جسدت
صورة دقيقة في عرضها النعم المادية المحسوسة التي أغدقها المنعم على عباده لتيسير
استيطانهم على وجه البسيطة] وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً[ [[32]]، وأخرى عرضت بعض المظاهر الكونية لأجل الاعتبار بها والوصول من خلالها
الى معرفة مبدع الأكوان جل جلاله ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي
الْأَبْصَارِ[[[33]] .
نستشف من ذلك ان للتنوع في المصاديق أثر
واضح في ملء الثغرات النفسية للإنسان حيث لا يشعر معها بالضجر والملل مع تعدد
الصور وتلونها .
الصورة الرابعة :
يمكننا أن نتلمّس في كل سورة, بل في كل آية وكل كلمة
في القرآن الكريم, المصداق الناطق بأشكاله وألوانه وأنماطه كافة ، والصورة الحية
وهي تدعو الإنسان للاعتبار, وتوجهه وتحذره كيما يرتدع عن السلوك المنحرف ، وإن لم
تلفظ فيها كلمة (عبرة) أو (اعتبار) ، وهذه الحقيقة لا ينكرها ذو لب وبصيرة ،
فلنتأمل بخشوع وتأنّ آياته تعالى :
· ]اِنَّ في خَلْقِ
السَّمواتِ وَالاَرْضِ وَاخْتِلافِ الّليل والنّهار لآيات لأولي الالباب[ آل عمران190 ، وهو إلفات لذوي الألباب
كيما يعتبروا بعظيم خلقه جل وعلا .
· ]وَ كَمْ اَهْلَكنا قَبْلَهُم مِنْ قَرن هُم
اَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فنقبّوا في البِلادِ هَل مِنْ محيص اِنّ في ذلِكَ لَذِكرى
لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ اَوْ اَلقى السَّمعَ وَهُوَشَهِيدٌ[ ق36ــ37 هذه الآية من
أوضح الواضحات الموجهة الى بني آدم للاعتبار.
· ]كُلُوا وَارْعَوا
اَنْعامَكُمْ اِنَّ في ذلِكَ لآيات لاُولي النُّهى [طه54 وجّه
الأنظار الى الأنعام مرارا وتكرارا في قرآنه للاعتبار بجزيل نِعَمه, والتأدب بأدب
الشكر عليها .
· ] بَلْ هُوَ آياتٌ
بَيّناتٌ في صُدُور الّذينَ اُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجحَدُ بآياتِنا الاّ الظّالمونَ[ طه 49 ، ينبغي اتخاذ مسلك
العلماء, والابتعاد عن مسلك الظالمين الجاحدين بآيات الله تعالى .
· ] أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ
قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي
الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً[ فاطر 44
·
]كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم
بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }الأنبياء35 وهل أبلغ من الموت عظة وعبرة ؟!!
·
]ألمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَاد * إرَمَ
ذَاتِ العِمَادِ[ الفجر6ــــ 7 ، جاءت هذه
الآية بصيغة الاستفهام للفت الانتباه كي نرى فعل الله بالجاحدين المكذبين لعلنا
نتعظ .
·
]أَلَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأصْحَابِ
الفِيل[ الفيل 1 ، هذه القصة موعظة حية للمشركين لقربها الزمني منهم, وهي
عبرة لكل الأجيال.
·
]
قُلْ سِيرُوا
فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ
أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ[الروم : 42 قل لكفار
مكة, وقل لأعقابهم, الى عصرنا الحالي, سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة
المشركين, فاهلكوا بشركهم, وأضحت مساكنهم ومنازلهم خاوية, وهذه المسيرة مستوعبة
لبعدي الزمان والمكان .
[ سادسا ] : البناء الهرمي المحكم
ما الذي نستوحي من الصور القرآنية التي
عرضناها, والتي حملت لفظ الاعتبار والعبرة ؟ إن أول ما يتمثل في الذهن ويرتسم من
خلال إجراء عملية إحصائية لهذه الصور, هو:
1) ذلك البناء
الهرمي الشامخ المحكم الذي ابتدأ بأصغر وحدة مصداقية لأعظم أمر إلهي ليمثل رأس
الهرم, وهو دلالة لفظ (اعتبروا), هذه هي معالم الصورة الأولى.
2) ثم تعددت
الوحدات وتمثلت بستة مصاديق للفظ ( عبرة )، وكونت الخط الهرمي الثاني, الممهد
والمعزز للقاعدة الكبرى, وهذه هي معالم الصورة الثانية .
3) بعد ذلك
انطلقت الوحدات المصداقية الى عمق كتاب الله تعالى، وانتشرت في كل دلالات ألفاظه
ــــ وهي تمثل معالم الصورة القرآنية الرابعة ــــ حتى رست ورسمت القاعدة الهرمية
الكبرى، في حين أن الأمر الإلهي الأوحد والأقوى (اعتبروا) اعتلى رأس الهرم ليغذي
بسلطانه وقوة نفوذه مفاصل الوحدات الهرمية الأدنى.
[ أخيرا ]: انتزاع المفهوم الكلي
بعد هذا البيان نستطيع الانتزاع من هذه
الحقائق الجزئية مفهوما كليا هو: تميّز القرآن الكريم
بعالميته وشموله لكل أبعاد عالم الوجود (الأنفسية) و(الآفاقية) , ودقته في اصطفاء
الأفكار والمعاني التي تتواءم والفطرة الإنسانية لتجسيد وإظهار مسألة الاعتبار,
وذلك لتحقيق الهدف الأساس من نزوله وهو الهداية والإرشاد .
ونستدل بهذا المفهوم الكلي على مسألتين في غاية الأهمية هما :
v إن الحقيقة
القرآنية المتمثلة بالسور المباركة, والآيات الكريمة, والكلمات المقدسة, والأحرف
النورانية, تمثل بأجمعها مصداقا شاملا حيا متجددا للعبرة والاعتبار .
v إن
القيمة الفعلية للاعتبار لا تتبين, ولا تتجلى النتائج المترتبة عليها إلاّ عند
الخضوع لحالة الاعتبار, والارتقاء بها إلى مستوى الاستجابة العملية السلوكية.
الدكتورة نهضة الشريفي
الهوامش :
(1) المنطق ـ
الفلسفة ، مرتضى مطهري : 102
(2)
المنطق ـ الفلسفة , مرتضى مطهري : 103
(3)
أسس الفلسفة , مرتضى مطهري : 1/ 35
(4)
سورة النازعات : 26
(5)
الأمثل : 19 / 281
(6)
سورة آل عمران : 13
(7)
ظ نفحات
القرآن , ناصر مكارم الشيرازي : 1/ 137
(8)
سورة يوسف : 111
(9)
نفحات القرآن : 1/ 131
(10)
م . ن : 1/ 138
(11)
سورة الحشر : 2
(12)
ظ فلسفة الأخلاق
، مرتضى مطهري : 37
(13)
فلسفة الأخلاق في الإسلام , محمد جواد مغنية : 76
(14)
ظ فلسفة الأخلاق
، مرتضى مطهري : 39
(15)
فلسفة الأخلاق , محمد جواد مغنية : 77
(16)
سورة الأعراف : 201
(17)
سورة الفرقان : 63
(18)
سورة الشعراء : 88 ـ 89
(19)
سورة الفرقان : 44
(20)
سورة البقرة : 171
(21)
سورة الرعد : 17
(22)
ظ مبادئ علم
النفس العام ، د. يوسف مراد : 160
(23)
م . ن : 123
(24)
م . ن : 159
(25)
سورة آل عمران : 13
(26)
سورة يوسف : 111
(27)
سورة النحل : 66
(28)
سورة المؤمنون : 21
(29)
سورة النور : 44
(30)
سورة النازعات : 26
(31)
سورة آل عمران : 13
(32)
سورة
النحل : 66
(33)
سورة النور : 44
تعليقات
إرسال تعليق